قصة
مذكرات حرب
الشهيد الطيار
عاطف السادات
بقلم/ بسمة السيد
هذه هي آخر لحظاتي
تخضبت بذلتي الميري بدمائي
بينما تغبر جسدي بترابنا الغالي
مهدت طريقاً لرفاقي لتحرير وطني
تفيض الآن روحي
فكشف غطاء بصري
أرى الملائكة بالجنة تبشرني
أنا الشهيد/ عاطف أنور السادات
نقيب طيار بالقوات الجوية المصرية
--------
التاسع
من رمضان 1393ﻫ
الخامس
من أكتوبر 1973م
صبيحة
الجمعة صدرت لنا الأوامر بالإفطار وعدم الصوم؛ فاستشعرت أن ساعة الثأر قد آنت،
حانت لحظة إعادة عزتنا وكرامتنا بالقضاء على أسطورة جيش شعب الله المختار الذي لا
يقهر، صلينا جُمعتنا ونحن ساجدون على علم مصر، ندعو الله أن يجعل معركتنا يشهد
عليها التاريخ.
أصدرت
لنا الأوامر بالاستنفار في مطار «بلبيس»، جرى كل طيار منا على مقاتلته داخل دشم
الطائرات، كانت جميع الطائرات مسلحة بالقنابل وجاهزة للانطلاق، ولكن تم إلغاء
المهمة؛ فقد كانت مجرد تدريب على تجميع الطيارين.
يوم
ثقيل مَرّ، تسرب الشك لقلبي أن ما بداخلي حلم لم يأن أوانه بعد، عدتُ بذاكرتي
للوراء؛ لأفكر كيف سنخوض معركة وقد سرّح الجيش كثيرًا من الجنود في شهوره الأخيرة،
بل الأدهى من ذلك تلك القناة الإذاعية السخيفة التي أطلقناها باللغة العبرية لنشر
خنوعنا للسلام.
لابد
من معركة جديدة؛ ليرى العالم قدرة المقاتل المصري وكفاءته، لم يمر تدريب واحد إلا
وأنا على يقين أن هذه الطلعات هي تدريب لليوم الكبير، فرحتي الحقيقية هي يوم أن
تنتصر مصر، وتنسحب إسرائيل من سيناء، ويعود علم مصر يرفرف من جديد فوق رمالها.
--------
العاشر
من رمضان 1393ﻫ
السادس
من أكتوبر 1973م
مازالت
الأوامر بالإفطار مستمرة مما أصابني بالحيرة، أُمرنا بالتجمع أنا وباقي زملائي من
طياري المقاتلات القاذفة من لواء السوخوي 7 في استراحة الطيارين، وقرب الواحدة
ظهراً دخل علينا اللواء طيار «نبيه المسيري» رئيس أركان القوات الجوية المصرية
الذي أمرنا بالاستعداد؛ لأن الحرب ستقوم بعد ساعة من الآن، ست وثلاثون طائرة من
طائرات لواء السوخوي 7؛ لتحرير أرضنا واسترداد كرامتنا المهدرة، أَمرَنا «المسيري»
بتلقين العدو درساً لا ينساه التاريخ، وأن نقاتل بشراسة؛ لاستعادة هيبة القوات
الجوية المصرية.
طبقاً
لخطة القيادة عُيّنت ضمن قائمة الضربة الجوية الثانية لضرب أهداف العدو في عمق
سيناء، ولكني أسرعت لقائد التشكيلة اللواء «زكريا كمال»؛ لأرجوه نقل اسمي إلى الضربة
الأولى بدلاً من انتظار الثانية، وأمام إلحاحي استجاب لي، وكانت المهمة قيادة
تشكيل فرعي لتدمير عدة بطاريات لصواريخ الهوك المكلفة بحماية مطار «المليز»؛
لحرمان العدو من استخدامها ضدنا.
ركضت
أثناء دشم الطائرات إلى قائدي العميد «فاروق أبو النصر عليش» أوصيه أن يقرأ القرآن
ويقول (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) قبل أن يضغط على زر إلقاء القنابل من الطائرة؛
ليُطمئِنّي أنها نيته أيضاً.
إنها
الآن الثانية وخمس دقائق ظهراً عندما استقليت طائرتي؛ لأكون ضمن طلعية الطيران
الأولى، انطلقتُ بطائرتي عبر قناة السويس في اتجاه مطار «المليز» وسط تشكيل قتال
السوخوي وفي حماية تشكيل طائرات الميج 21 من اللواء الجوي 104 القادمة من قاعدة
المنصورة الجوية.
أرى الآن طائرتَي ميراج إسرائيلي تعترض
طريقنا، فطلب منا قائد التشكيل «فاروق عليش» وبشكل اختياري غير إجباري أن نلقي
الحمولة من القنابل والصواريخ والاشتباك مع الطائرات المعادية للدفاع عن أنفسنا،
ولكننا جميعاً اتفقنا في صمت ألا نفعل، إنه يوم كرامتنا، لن نتخلى عنه للحفاظ على
أرواحنا الهيّنة أمام الوطن، فأكملنا طريقنا بمنتهى الإصرار، مما بثّ الرعب في
عدونا الإسرائيلي؛ فانسحب خوفاً ولم يدافع عن المطار.
أصبحت
ورفاقي فوق المطار تمامًا، فأطلقت صواريخي مفجرًا رادار ومركز قيادة صورايخ الهوك
اليهودية المحيطة بالمطار للدفاع الجوي؛ لأحرم العدو من استخدامها ضد قواتنا
الجوية طوال فترة الحرب، وقد تمكن باقي التشكيل من ضرب وتدمير مطار المليز
وإغلاقه.
خِفتُ
ألا أكون أنجزت مهمتي بشكل كامل فأترك للعدو فرصة ضدنا، فعزمت الدوران حول المطار
للاطمئنان، في دورتي الأولى انتبهتُ لمدفع أوتوماتيكي مضاد للطائرات يحاول إرغامي
للعلو بطائرتي حتى تتمكن صواريخهم المتبقية أن تصيبني، لم أخف، بل زادت حماستي
لتلقينهم درساً جديداً، فطرت باتجاههم وأنا أناورهم ببراعة اكتسبتها في حرب
الاستنزاف ثقّلت خبرتي في التعامل مع الطائرات السوفيتية، فأطلقت عليهم وابلًا من
رصاصات مدفع طائرتي.
أتممتُ
دورتي الأولى، وتبعتها بالثانية، وفي الدورة الثالثة تأكدت من قضائي على بطاريات
صواريخهم الهوك، فأبلغت قيادتي بتنفيذي المهمة كاملة، وها أنا أستعد للعودة ثانية
لتشكيلي، ولكن صاروخ محمول على الأكتاف أصابني؛ لأكون أول شهيد بقائمة حرب العاشر
من رمضان.
--------
تحطمت طائرتي
فسقطتُ جثة متفحمة على أغلى قطعة من أرضي
«سيناء »
أقسمتُ باسمكِ أن أرويكِ بدمائي
فاذكريني في تاريخك
شهيداً وفّ وعده بتحريرك
--------
#بسمه_السيد
#عاطف_السادات
#مذكرات حرب
التاسع
من رمضان 1393ﻫ
الخامس
من أكتوبر 1973م
صبيحة
الجمعة صدرت لنا الأوامر بالإفطار وعدم الصوم؛ فاستشعرت أن ساعة الثأر قد آنت،
حانت لحظة إعادة عزتنا وكرامتنا بالقضاء على أسطورة جيش شعب الله المختار الذي لا
يقهر، صلينا جُمعتنا ونحن ساجدون على علم مصر، ندعو الله أن يجعل معركتنا يشهد
عليها التاريخ.
أصدرت
لنا الأوامر بالاستنفار في مطار «بلبيس»، جرى كل طيار منا على مقاتلته داخل دشم
الطائرات، كانت جميع الطائرات مسلحة بالقنابل وجاهزة للانطلاق، ولكن تم إلغاء
المهمة؛ فقد كانت مجرد تدريب على تجميع الطيارين.
يوم
ثقيل مَرّ، تسرب الشك لقلبي أن ما بداخلي حلم لم يأن أوانه بعد، عدتُ بذاكرتي
للوراء؛ لأفكر كيف سنخوض معركة وقد سرّح الجيش كثيرًا من الجنود في شهوره الأخيرة،
بل الأدهى من ذلك تلك القناة الإذاعية السخيفة التي أطلقناها باللغة العبرية لنشر
خنوعنا للسلام.
لابد
من معركة جديدة؛ ليرى العالم قدرة المقاتل المصري وكفاءته، لم يمر تدريب واحد إلا
وأنا على يقين أن هذه الطلعات هي تدريب لليوم الكبير، فرحتي الحقيقية هي يوم أن
تنتصر مصر، وتنسحب إسرائيل من سيناء، ويعود علم مصر يرفرف من جديد فوق رمالها.
--------
العاشر
من رمضان 1393ﻫ
السادس
من أكتوبر 1973م
مازالت
الأوامر بالإفطار مستمرة مما أصابني بالحيرة، أُمرنا بالتجمع أنا وباقي زملائي من
طياري المقاتلات القاذفة من لواء السوخوي 7 في استراحة الطيارين، وقرب الواحدة
ظهراً دخل علينا اللواء طيار «نبيه المسيري» رئيس أركان القوات الجوية المصرية
الذي أمرنا بالاستعداد؛ لأن الحرب ستقوم بعد ساعة من الآن، ست وثلاثون طائرة من
طائرات لواء السوخوي 7؛ لتحرير أرضنا واسترداد كرامتنا المهدرة، أَمرَنا «المسيري»
بتلقين العدو درساً لا ينساه التاريخ، وأن نقاتل بشراسة؛ لاستعادة هيبة القوات
الجوية المصرية.
طبقاً
لخطة القيادة عُيّنت ضمن قائمة الضربة الجوية الثانية لضرب أهداف العدو في عمق
سيناء، ولكني أسرعت لقائد التشكيلة اللواء «زكريا كمال»؛ لأرجوه نقل اسمي إلى الضربة
الأولى بدلاً من انتظار الثانية، وأمام إلحاحي استجاب لي، وكانت المهمة قيادة
تشكيل فرعي لتدمير عدة بطاريات لصواريخ الهوك المكلفة بحماية مطار «المليز»؛
لحرمان العدو من استخدامها ضدنا.
ركضت
أثناء دشم الطائرات إلى قائدي العميد «فاروق أبو النصر عليش» أوصيه أن يقرأ القرآن
ويقول (وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى) قبل أن يضغط على زر إلقاء القنابل من الطائرة؛
ليُطمئِنّي أنها نيته أيضاً.
إنها
الآن الثانية وخمس دقائق ظهراً عندما استقليت طائرتي؛ لأكون ضمن طلعية الطيران
الأولى، انطلقتُ بطائرتي عبر قناة السويس في اتجاه مطار «المليز» وسط تشكيل قتال
السوخوي وفي حماية تشكيل طائرات الميج 21 من اللواء الجوي 104 القادمة من قاعدة
المنصورة الجوية.
أرى الآن طائرتَي ميراج إسرائيلي تعترض
طريقنا، فطلب منا قائد التشكيل «فاروق عليش» وبشكل اختياري غير إجباري أن نلقي
الحمولة من القنابل والصواريخ والاشتباك مع الطائرات المعادية للدفاع عن أنفسنا،
ولكننا جميعاً اتفقنا في صمت ألا نفعل، إنه يوم كرامتنا، لن نتخلى عنه للحفاظ على
أرواحنا الهيّنة أمام الوطن، فأكملنا طريقنا بمنتهى الإصرار، مما بثّ الرعب في
عدونا الإسرائيلي؛ فانسحب خوفاً ولم يدافع عن المطار.
أصبحت
ورفاقي فوق المطار تمامًا، فأطلقت صواريخي مفجرًا رادار ومركز قيادة صورايخ الهوك
اليهودية المحيطة بالمطار للدفاع الجوي؛ لأحرم العدو من استخدامها ضد قواتنا
الجوية طوال فترة الحرب، وقد تمكن باقي التشكيل من ضرب وتدمير مطار المليز
وإغلاقه.
خِفتُ
ألا أكون أنجزت مهمتي بشكل كامل فأترك للعدو فرصة ضدنا، فعزمت الدوران حول المطار
للاطمئنان، في دورتي الأولى انتبهتُ لمدفع أوتوماتيكي مضاد للطائرات يحاول إرغامي
للعلو بطائرتي حتى تتمكن صواريخهم المتبقية أن تصيبني، لم أخف، بل زادت حماستي
لتلقينهم درساً جديداً، فطرت باتجاههم وأنا أناورهم ببراعة اكتسبتها في حرب
الاستنزاف ثقّلت خبرتي في التعامل مع الطائرات السوفيتية، فأطلقت عليهم وابلًا من
رصاصات مدفع طائرتي.
أتممتُ
دورتي الأولى، وتبعتها بالثانية، وفي الدورة الثالثة تأكدت من قضائي على بطاريات
صواريخهم الهوك، فأبلغت قيادتي بتنفيذي المهمة كاملة، وها أنا أستعد للعودة ثانية
لتشكيلي، ولكن صاروخ محمول على الأكتاف أصابني؛ لأكون أول شهيد بقائمة حرب العاشر
من رمضان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق