كي لا يأكلك القمر


قصة 
كي لا يأكلك القمر
بقلم/ محمد الوكيل





يتوسد الطفل حجر أمه يطرح رأسه الصغير وهمه الكبير بين يديها، ومُلقيًا على مسامعها سؤاله اليومي:
أين أبي؟! لقد حضر كل آباء زملائي إلى الحفل المدرسي اليوم إلا أنا؛ فأنا لم أره من قبل.
تُجيب الأم والحزن يكسو نبرات صوتها:
أبوك ذهب إلي الجنة حينما كُنت رضيعًا في عامك الأول،  ولن يعود مجددًا.
الطفل:
ولماذا لانذهب نحن إليه إذًا؟ هل هذه الجنة بعيدة جدًا عن بيتنا؟!
الأم:
نعم بعيدة للغاية، مستحيل أن نصل إليها.
الطفل :
لماذا يستحيل الوصول إليها؟! أخبريني عن مكانها وحسب، وأعدكِ أن أذهب إلي هناك عندما أكبر.
الأم :
في السماء، إنها في السماء يا ولدي.
الطفل :
في السماء ؟! أوليست الطائرة تطير في السماء؟ إذًا يُمكنها الوصول إلي هناك.
الأم:
لايُمكنها ياولدي؛ فكل من يُحاول اختراق السماء يأكله القمر فورًا.
يُسلّم الطفل قناعاته إلي الإجابة الأخيرة، ويُسلّم عينيه الحائرتين إلي القمر أوقاتًا كثيرة.
راح الطفل يسأل القمر بالهمس تارةً وبالصوت الواضح تارة أخري:
هل يمكنني أن أذهب إلي أبي دون تأكلني؟!
لا يجد من القمر إلا صمتًا وسكونًا، فيظن أن عليه الصراخ بأعلي صوته حتى يتسنى للقمر سماع سؤاله؛ فيشق طريقه تحت غطاء الليل بعيدًا عن البيت حتي لا تسمعه أمه، ثم أخذ يصرخ تجاه القمر طارحًا سؤاله مراتٍ عديدة بصيغِِ كثيرة.
يعود الطفل مطأطأ الرأس  مُنهكَ البدن، مُتعبة روحه وكأنها عاشت في رحاب الأرض ستون عامًا، لكن الله كان أحنّ عليه من الجميع؛ فمنّ عليه بالنوم، ثم منّ عليه مرة أخري حينما رأى فيما يرى النائم رجلًا وقورًا أبيض الثياب، أبيض اللحية، يهمس في أذنه:
لاتحزن ياولدي، لن تشتاق إليّ طويلاً بعد الآن؛ سنلتقي قريبًا.
ثم يبتسم ويمضي.
استيقظ الطفل، وبحماسة وفرح بالغَين راح يقصّ علي أمه ما سمع وما رأى في منامه، فسرى الفزع في قلب أمه، إلا أنها احتضنته بشدة، ثم هسمت في أذنه:
أضغاث أحلام، ليس الآن ياولدي، ليس الآن أبداً.
أخذَت الأم الطفل إلى المدرسة كعادة كل يوم، ثم تركته هناك وعادت إلى البيت على أن تعود إليه في نهاية اليوم الدراسي، لكن زحام الطريق أجبرها على التأخر لعشر دقائق، وعلى قلتها ملّ الطفل فيها الانتظار؛ فخرج إلى الطريق وحده، وبينما كان يعبر نهر الطريق إذ بسيارة مسرعة تصدمه بقوة، ثم تُقله أخرى إلي المشفى.
سابقَت أمه الزمن للحاق به إلى هناك، وهو ماكان، وبينما كان النّزِيف يُحاصر أنفاسه رآها؛ فنزع قناع الأكسجين عن وجهه لثوانٍِ، قال فيها بصوت مرتعش:
سألتُ أستاذي صباح اليوم: متي يذهب الناس إلى الجنة؟! قال لي: عندما يموتون، وأراني الآن أقرب إلى حضن أبي أكثر من أي وقت مضي، لا تفكّري بالذهاب إلى هناك الآن يا أمي، ولا حتي بالطائرة؛ كي لا يأكلكِ القمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق