سابع

"قصة قصيرة/ سابع"

الكاتب: محمود عبدالعال

اضفى ضوء البدر على شواهد القبور انعكاسا يليق بحرمه المكان ، ليله اخرى ساكنه، كسكون الموت ذاته ، لم يتخللها الا صوت برى منتظم لا تدرى اهو نقيق لاحد ذكور الضفادع الذى يلفت نظر انثاه، ام انه صفير صرصور الليل، عدا ذلك كل شيء ساكن، حتى بدد هذا السكون وقع خطوات لطفل يجرى مسرعا وهو ينادى على ابيه قائلا

-امي وضعت يا ابى .. امي وضعت اخي السابع.

برز رأس ابيه من احدى المقابر المفتوحة صارخا  :

-أصمت يا أحمق .. مالك تنعق كالغراب ... أتعتقد انك تبشرني بالذهب .. اذهب وسألحق بك.

اصيب الطفل بإحباط وولى عائدا من حيث اتى، بينما خرج ابوه من المقبرة ،طويلا ضخم الجثة حاد الملامح ، يرتدى جلبابا اسودا قد لفه على وسطه ليظهر من اسفله بنطالا اسودا من نوع الجينز ،وقد عقص على راسه عصابه ، فبدا كشبح اسود يمسك بيده اليمنى ثوبا ابيضا ، بينما يفرك بيده اليسرى مجموعه من الاسنان الذهبية ، التي انتزعها للتو من فم الجثة التي قام بدفنها صباح اليوم.

"عباس التربي " ، يعمل بالنهار لحادا وبالليل نباشا للقبور ، يسكن في مساكن المقابر التي تأوي مئات من الاسر تنوعت بين لحادين ، متسولين, مقرئين أو متخفيين من قبضه الشرطة .

اسرته تتكون من امه وزوجته وسته ابناء كان اكبرهم ابراهيم الذى رأيناه يجرى ليبشر اباه بأن امه قد وضعت اخاه السابع الذى قرر ابوه مسبقا ان يسميه عمارا . كان عباس لا يتورع عن فعل اي شيء مخالفا للدين او القانون، لتحصيل الاموال التي كانت بالكاد تكفى اسرته.

فما بين نبش القبور لسرقه الاسنان الذهبية من الجثث, او بيع الجثث نفسها لطلبه الطب , ولد عمار كأبن سابع لعباس , لم يكن يوما ما طفلا كباقي الاطفال , كان هادئ الطباع , مهابا على صغر سنه ممن يكبرونه سنه , لم يكن قوى البنيه بل على العكس كان صغير الحجم مقارنه بمن هم في مثل عمره , ولكن سر هيبته كان في نظرة غاضبة تحملها عيون زرقاء , لا 6 احد ممن ورثها , نظره عميقه تملأ عليك الافق , فتشعر كأنك غارق في مياه البحر , حتى ان اباه - ذلك الجبار- كان يهابه ويخشى غضبه .

سته عشر عاما مرت على تلك الليلة التي ولد فيها عمار , وبينما كان عمره يكبر كان جسده ثابتا كأنه في السابعة من عمره , لم يكن تكوين جسده يشبه الاقزام من قريب او بعيد , بل كان طفلا في كل شيء الا تلك النظرة التي لازالت تزرع الرعب والنفور في قلب اعتي الرجال, زاد من تلك الحالة , ما قاله احد العرافين الذين يعملون بالسحر من سكان المقابر لأبيه

"ولدك عمار ملعون يا عباس , مولود ليله التمام , واخ سابع لذكور , وانت يا عباس لا تتورع عن تدنيس القبور وهذا - لعمرى - شر سيقع وباله على رأسك ورأس ابنائك جميعا.. " .

منذ ذلك اليوم اصبح عمار ينادى بالملعون, وازداد الناس نفورا منه , وفى ليله قمراء كتلك التي ولد فيها , تركه اخوه ابراهيم نائما في الخلاء تحت ضوء القمر -كعادته في تلك الليالي- وفى الصباح وجده على حاله ولكنه كان ميتا ، وعينيه تحملان نفس النظرة العميقة المرعبة.

تمت مراسم الدفن سريعا وانصرف الناس , ومع حلول الليل جال خاطر في رأس عباس, انه قد تسرق جثة ابنه انتقاما إلاهيا من افعاله بجثث الناس , فتوجه الى قبر ابنه وفتحه متوقعا الا يجد الجثة , ولكنه وجدها على غير الحال الذى تركها فيه , فقد كانت ساقه اليسرى مبتعدة عن اليمنى وملتصقه بركن القبر , فأعادها كما كانت ثم أرقده على جانبه الايمن , وخرج متوجها الى العراف ليخبره بما جرى , وما ان قص عليه حتى فزع العراف ، وهب واقفا وهو يقول:

-لو كان ما تقوله صحيحا .. فالويل لنا جميعا.

-لا أفهم شيئا.

-قلت لك من قبل ان ابنك عمار ملعون بلعنه الاخ السابع ، وكان عندي امل ان اكون مخطئا , ولكن الان .. وبعد الذى رويته لي , فقد اكتملت العلامات ، ولو لم نجد حلا لهذه الكارثة , ونتصرف تصرفا سليما , فأننا هالكون لا محاله.

سكت قليلا وهو يلملم اشياءه في كيس قماشي ثم قال : - هيا أسرع .. لا وقت لدينا.

-لازلت لا أفهم , ما الذى حدث لأبنى , وما هي لعنه الاخ السابع . توقف الشيخ عن وضع الاشياء في كيسه القماشي, وبدت عليه حيرة ممتزجه بالرعب , وقال بينما يزدرد لعابه:

-كنت أعتقد ان هذه الامور تكون في الكتب فقط , ولو حدثت فإنها تحدث في الغرب ، اما الان فيجب علينا ان نحرق جثته فورا, وبلا تأخر.

-تحرق من يا مولانا ؟.. هل جننت؟ , تريد ان تحرق جثه ولدى.

-ولدك سيقوم من قبره مره أخرى, ولكنه سيقوم وحشا مذؤوبا ، ولو لم نتدارك الامر ونحرق الجثة.. فليرحمنا الله .

بدا على عباس الاقتناع ,عندما اسقط كلام الشيخ على ما كان يراه من الرعب كلما التقت عيناه بعيني عمار قبل موته , والمشهد الذى رآه عندما قام بفتح قبره ، وخرجا يتسربلان في جنح الظلام وهما يحملان زجاجتي كيروسين كبيرتين ، حتى وصلا الى قبر عمار ، وقام عباس بفتحه ، وكانت المفاجأة انهم لم يجدوا الجثة ، فصرخ عباس قائلا:

-جثه عمار سرقت.

اقترب الشيخ وهو ينظر الى القبر وقال:

-كيف سرقت , أكان القبر كان مفتوحا ؟

-لا كان مغلقا , ولا يوجد أثر للعبث بالأقفال ، ولكن اين اختفت الجثة؟!

وقفوا ينظر احدهم للأخر في رعب وفزع ، بينما كانت هناك عينان مضيئتان تتابعانهما من بعيد ، تعلو وجه صاحبها ابتسامه خبيثة ، ثم التفت للخلف ليواجه عشرات العيون المضيئة والابتسامات اللاهثة على شفاه يغرقها الزبد ، وفى لحظه علا العواء ايذانا بالبداية......بداية الخراب.

---------

#محمود_عبدالعال

#سابع