لا وطن للجبناء



قصة قصيرة
"لا وطن للجبناء"
احمد سيد عبدالغفار

استيقظتُ هذا الصباح وأنا في مزاج غير جيد تمامًا، شعور غريب لدي... أشعر أني عصبيّ وعدوانيّ، وأريد أن أفعل شيئًا جنونيًا أو غريبًا .
حرارة جسدي مرتفعة بالرغم من برودة الطقس، أنا لستُ مريضًا... فأنا اليوم أشعر بصحة جيدة عمَّا مضى، بل أشعر أن قوتي أصبحَتْ مضاعَفَة .
وضعتُ نفسي تحت المياه الباردة لمدة ربع ساعة؛ حتى تنخفض حرارة جسدي ولكن دون فائدة، مازالَت حرارتي مرتفعة، جلستُ أتناول قهوتي الصباحية وأحاول أن أنسى تلك الفكرة اللعينة أو ذلك الشعور الغريب، ولكن الفكرة لا تريد الخروج من رأسي، أريد أن أفعل شيئًا جنونيًا، أخذتُ أفكّر ماذا سأفعل؟ هل أسرق؟ هل أقتل؟ لا أعلم. مرت عليّ ساعة وأنا في قمة الحيرة، لا أعلم ماذا أريد أن أفعل حتى جاءَتني فكرة وجدتها جيدة واستراح لها عقلي وقلبي وشعرت بسعادة من داخلي، وشعرت أيضًا بالفخر أن استطعت تنفيذها  وهي أن أقوم بقتل شخص يؤذي الناس، شخص مكروه يتمنى كل الناس موته، اقتنعتُ بالفكرة وأخرجتُ مسدسي وحشوته بالطلقات وخرجت، جلست على المقهى المجاور لمسكني وأخذت أتفحصُّ الناس حولي، وقعَت عيني على (عم حسان) تاجر الذهب الذي يجلس أمام محله، وقلت لنفسي هذا اختيار جيد؛ فذلك الرجل يخلط تجارته بأشياء مسروقة؛ مما جعل اللصوص في حالة نشاط وكثرُت حالات سرقة المجوهرات، والكل يعلم أنه لا يمانع أن يقبل المسروقات بثمن ضئيل ويعيد تصنيعها؛ لكي يبيعها بثمن باهظ مما جعله من أثرى الرجال في المنطقة، نعم إنه اختيار جيد؛ فالكثير قد يفرحوا لموته؛ لأنهم يعلمون أنه قد شارك في سرقتهم، فلو أنه لم يقبل الحرام لقلَّتْ حالات السرقة.
أخذتُ أفكر في طريقة أقتله بها حتى وجدته يتحدث مع شخص ما، عرفته فورًا من ملابسه (ومن لا يعرفه) إنه (رفعت أمين الشرطة) ذلك الظالم الذى يفرض الإتاوات على أصحاب المحلات حتى يتجاوز عن مخالفتهم للقوانين، بل وأكثر من ذلك، إنه رجل ظالم لا يجد أي مانع في تلفيق التهم لأي أحد يعارضه، كنت أراه كثيرًا في كمين الشرطة يقوم بسحب رخصة القيادة لكثير من السائقين؛ حتى يدفعوا له ما يأمر به، إنه اختيار أفضل من السابق؛ لأن ضحاياه كثيرة جدًا، وهو بالطبع مكروه جدًا هو ومن مثله.
إذن إنه من يستحق القتل؛ فأنا وكل المنطقة نعلم أنه من أخرج (المعلم عوض الجزار) من قضية ذبح لحوم الحمير، فذلك الجزار استهان بأرواح الناس وكان يقوم بذبح الحمير وبيعها للناس؛ مما جعل تجارته تزدهر في فترة قليلة، رجل أقل ما يقال عنه أنه مصاص دماء. كان يجب أن يعدم، ولكن القضاء كان غير عادل وأفرج عنه؛ بسبب شهادة أمين الشرطة وبراعة (أستاذ فكري المحامي) الذى لم يجد حرجًا فى الدفاع عنه واستغلال ثغرات القانون مع إغراءات المال الكثير الذي عرضه عليه الجزار، وهذا المحامي مثالًا للرجل الفاسد المستغِلِّ للظروف، فكم من الناس الذىن قام باستغلالهم ونهش أموالهم رغم فقرهم، لا يرفض أي قضية، فبفضل براعته قد  ساعد تجار مخدرات ومغتصبين ولصوصًا من الإفلات من العقاب وأعادهم إلى الشارع مرة أخرى؛ لكي يستمروا في فسادهم، إنه يستحق القتل أيضًا؛ فلولاه لكان المجرمون الآن ينالون عقابهم، وفجأة أزعجني صوت جهوري ينادي على القهوجي يطلب منه الشيشة، فنظرت في اتجاه الصوت ورأيت (الحاج يحيى التاجر) يجلس أمام محل الأجهزة المنزلية، ذلك الرجل الذي يتعامل بالربا ويستغل ظروف الفقراء الذين يريدون تجهيز بناتهم للزواج ويضاعف عليهم مستغلًا حاجتهم إليه، ويقوم بإمضائهم على إيصالات تجبرهم على دفع ما يحدده هو، وهل يوجد ظلم واستغلال أكثر من هذا؟
ولم تمر دقائق حتى رأيت (شوقي البلطجي) بوجهه العبوس والكريه يمشي بكل زهو وفخر مستعرضًا قوته، ولِمَ لا؟ فكل أصحاب المحلات يجتنبوه؛ لكي لا يسرقهم ويعطونه كل شهر مبلغًا تحت مسمى الحراسة ليلًا، فهو يظل طوال الليل جالسًا في الشارع حتى يتمكن من بيع المخدرات من حشيش وبرشام باختلاف أنواعه، لم يتزوج بل يقضي أوقاته مع الساقطات من بائعات الهوى مقابل حمايتهم، ففي كل أسبوع يقضى ليلة في بيت (سيكا الأعور) ذلك القواد الذي جعل من شقته مكانًا للدعارة ومعه ثلاث نساء يقوم بتشغيلهم، وبالطبع هم زوجاته حتى لا يقع تحت طائلة القانون، إن من جعله يفعل ذلك هو (فكري المحامي)، ومن المؤكد أنه من سهَّل له الأمر مقابل نزوة، أي رجل هذا الذي يتاجر بعرضه وشرفه وكرامته؟! أين نخوة الرجال؟ لا يجوز أن أقول عليه رجل، إنه مخنّث وأحقر من ذلك بكثير.
انتبهتُ لصوت سيارة قادمة، وعندما اقتربَتْ عرفتُ مَن بداخلها، إنه (طلعت بيه) يطلق على نفسه رجل أعمال لمجرد امتلاكه عمارتين في مكان راقٍ خارج المنطقة، ويقوم بإنشاء واحدة أخرى في منطقتنا بعدما هَدَم المبنى القديم الذي كان يحتوي على خمسة طوابق، وكان يسكن فيه أناس طيبون بعقود إيجار قديمة، وحاول طلعت كثيرًا أن يغريهم بالمال لكي يتركوها، ولكنهم رفضوا تمامًا، ولكنه قام بحيلة رخيصة وقام برشوة موظفين من قبَلِ المجلس المحلي واستخراج أوراق تثبت أن البناية قديمة جدًا وقد تسقط في أية لحظة، وأخرجوا قرار إزالة، كانت تلك فكرة (مسعود أفندي) الموظف في المجلس المحلي الذي أشار على طلعت بتلك الفكرة الخبيثة، ومسعود هذا للأسف جاري، موظف تجتمع فيه كل الخصال الدنيئة من طمَعٍ وخبث وخداع، وبالطبع مرتشي لا يفعل شيئًا إلا برشوة، جمع المال أهم شيء عنده، أهم حتى من زوجته التي كنت أراها تتحدث في الهاتف كثيرًا وتخرج كثيرًا في أثناء غياب زوجها، كانوا يتشاجرون كل ليلة وكان صوتهم العالي يضايقني، وكان كثيرًا لا ينتهي الشجار إلا بضربها، لم أفكر يومًا أن أتدخل بينهما؛ فأنا أكرههما وأتمنى موتهما الاثنين حتى أعيش في هدوء.
ولكن كيف أعيش فى هدوء وأنا مديري فى العمل رجل مثل(شاكر) انتهازي مختلس لا يفرق بين الحلال والحرام، فقط يبتلع ما يستطيع أن يناله دون الاهتمام بشيء اسمه الضمير، فعند شاكر يكون ضمير غائب، رجل لا يرحم أحدًا ولا يحب أحدًا، فقط يريدك مثل الإنسان الآلى تفعل ما يريده هو دون تفكير أو معارضة أو حتى مناقشة، وإذا أظهرتَ له أنك تفهم شيئًا ففورًا يتم نقلك إلى مكان آخر، والشخص الوحيد الذى يستطيع أخذ ما يريده منه فهي سكيرتيرته الخاصة (بثينة)، امرأة تعدت الثلاثين ولكنها مازالت شبابًا ورشيقة جدًا، تهتم بمظهرها لدرجة كبيرة ولا تهتم بزوجها ولا بأولادها، وتقضي أوقاتًا كثيرة مع المدير داخل وخارج العمل، تلهو معه؛ لكي تحتفظ بوظيفتها وبمزيد من المال الوفير من المدير، فهى لن تترك نفسها له مجانًا، وتلك السكرتيرة ذكّرتني بأمرأة فاجرة تعيش فى منطقتنا يقولون أنها تعمل راقصة فى ملهى ليليّ.
ولكني لم أرها؛ لأني لا أذهب لتلك المناطق، ولكنى سمعت من أشخاص أنهم رأوها، (سوسو) وهذا الاسم التى تشتهر به (ولا أعلم لها اسم غير ذلك) امرأة لعوب تتلاعب بكثير من وجهاء المنطقة الفاسدين، ولكن لا أحد ينالها، تعيش وحدها بعد أن طلقها زوجها؛ لأنه كان يشك فى سلوكها، طلقها بعد ضغط أقاربه عليه، فقام بكسب أقاربه وتخلص منها، وأنا أتفق معه تمامًا؛ فمثل هذه لا يمكن الاطمئنان لها.
انتبهتُ إلى نفسي وإلى أني أخذتُ وقتًا طويلًا جدًا دون اختيار أحد، اللعنة؛ من سأختار؟ فكلهم يستحقون الموت... كلهم فاسدون، ولكن كيف كنت أعلم كل هذا ولم يصدر مني أي تصدٍ لهذا الفساد؟ هل كنت سلبيًا لهذه الدرجة؟ اللعنة عليّ؛ كيف كنت أعيش مع هؤلاء الملاعين؟ كيف كنت أعلم كل هذا وبقيتُ صامتًا؟ هل بسبب عجزي؟ أم بسبب خوفي؟
تبًا لي فأنا بالفعل ضعيف، ولكن ضعيف الشخصية، لقد عشت كل تلك السنوات عاجزًا وتركتُ الفاسدين يعبثون بنا دون أي مقاومة مني، أنا لم أكن ضعيفًا بل كنت جبانًا أستحوذ على الخوف ولم أقل لا في وجه الفاسدين، كيف سأكمل حياتي وسط هؤلاء الناس، وإن غادرت المنطقة هل أضمن أن لا أجد مثل هؤلاء؟ بالطبع لا؛ فمثل هؤلاء دائمًا موجودين فهذا وطنهم، وهم من يستطيعون العيش فى هذا الوطن القاسي، أما الجبناء مثلي فلا وطن لهم، بل لا حياة لهم؛ فإن حياتهم وسط هؤلاء لا تعتبر حياة.
 أنا لن أختار أحدًا ولن أقتل أحدًا؛ فالقتل ليس الحل، ولكني عاهدت نفسي أن أقتل أحدًا اليوم وسوف أوفي بعهدي، لقد قمت بالاختيار... سأقتل الشخص الذي يستحق الموت، ومن يستحق الموت هو الإنسان الذي لن يستطيع أن يحيا بكرامة، لن يستطيع أن يرفع وجهه فى وجه الظلم، هو من لا يستطيع قول لا فى وجه الفسا، انا لست شريفًا أو مثاليًا،  أنا مجرم مثلهم، ساعدتهم فى الفساد والطغيان دون أن أدري؛ فصمتى وجبني كانوا أكبر مساعدة لهم، لقد اخترتُ الشخص المناسب وأعتقد أن اختياري سيروق له، هذا الشخص هو أنا! نعم أنا، فأنا لا أستحق الحياة، فأنا جبان والجبناء لا وطن لهم ولا يستحقون الحياة، وإن قبلوا الحياة هكذا فليتحملوا الذل والهوان ولا يفكروا فى كرامتهم، أشعر أني أصبتُ الاختيار الصحيح فقمت من مكاني وأخرجت مسدسي ووضعته على جانب رأسي الأيسر، وابتسمت ابتسامة عريضة؛ لأني الآن أشعر بأنني لستُ جبانًا، وأطلقتُ رصاصةً  اخترقَتْ رأسي.
تمت
------
#أحمد_عبدالغفار
#لا_وطن_للجبناء





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق