يفرقون بين المرء وزوجه

قصة

يفرقون بين المرء وزوجه

ربا درباز

 هجيرُ النهار يلفح الوجوه، يمرض الجسد، يتلف الخلايا والأعصاب، أمشي مسرعة مخافة أن تصيبني الحمى فالجو حارق، لا يستطيع إنسيُّ تحملهُ.أرى طفلاً يحمل رضيعًا على رصيفٍ إذا كُسرت عليه بيضة نضجت من شدة الصهدِ، لا تعلم إن كان يندب حظه أم أن الدهر أعجفَ ملامح وجهه البريئة، فقد صار الوجه البشوش عبسًا يهتف إلى كل من بالعالم «أنقذووني!».رنوتُ إليه مشفقة؛ لأعلم سر ما يخفيه وراء تلك الملامح التي لا يحملها إلا من شيّبتهُ الهمومُ تشييبًا،فبادلني نفس النظرات وكأنه رأى فيّ القشة التي سيتشبث بها؛ لتنقذه من هذا الوحل الذي أقسم على إبقاءه فيه طيلةَ الدهر.
قلتُ له والدوار يلازمني:
تعال يا صغيري لنتحدث في مكان جميل يناسب جمالك، هات الرضيع لأحمله، لا تخف سأهتم به جيدًا.
تشبّث بيدي تشبُّث المشتاق إلى أمه، وقال لي:
غطّه جيدًا حتى لا يمرض.
قلت له والدموع تملأ مقلتي:
لا تخف؛ فلدي صغيرة في مثل عمره، أنا أم!
ابتسم لي ابتسامة منكسرة، وقال لي:
شكرًا على لطفكِ.
توجهنا إلى أحد المطاعم؛ لأطعمه أي شيء يسد به جوعه؛ فالمسكين يبدو أنه لم يأكل الطعام منذ مدة، وأثناء انتظارنا للنادل طلبت منه أن يحكي لي قصته، ففي جعبته الكثير.
بدأ القصّ عليّ قائلًا:أنا قُصيّ، وهذا أخي مازن أشددُ به أزري، ستستغربين؛ رضيعٌ ويَشْدُدُ أزرك! أقول لكِ نعم؛ فهو الوحيد الذي يبكي على بكائي حين تضيق بي الدنيا، لا أجد مؤنسًا سواه، ولن أجد!
سكت قليلاً؛ ليداري بعض الدموع التي أصرت على أن تفيض من عينيه رغم تماسكه، أمسكتُ يده وقبلتها حتى يشعر ببعض الأمان، وقلت له:أصدقك، هات ما لديك، سأستمع للنهاية.حسنًا، كنا أسرةً جميلة يحسدها الجميع على ترابطها وقوة إيمانها، إلى أن جاء شيطان مريد إلى أبي، شيطان في لباس ورعٍ وتقيٍ لا يخشى لومة لائم، صدّقه أبي وآمن بمظهره الخادع، وفي كل مرة يأتي إلينا بعد مقابلة هذا الشخص نرى سلوكًا جديدًا قد طرأ عليه، ووجها غير الذي إعتدناه عليه،تسأله أمي عن سر تغيره يرد قائلاً: كنت أجهل كل من في هذه الدنيا حتى أنتم، دعوني وشأني، ياليتني لم أتزوج ولم أنجب أمثالكم، اذهبوا إلى الجحيم، تحول أبي من أب رحيم عطوف وزوج كريم مصون يخشى أن تصيبنا دائرة السوء إلى أب قاسٍ وزوج سليط يضرب أبناءه ويشتم زوجته كلما رآها، وفي آخر مرة جاء هائجًا من الخارج، ونادى بأعلى صوته على أمي؛ فجئنا إليه مسرعين حتى نتفادى غضبه، فقال لأمي مشطاطًا: أنتِ زوجة خائنة لم تهِن عليها عِشرة ولا ود، كيف لكِ أن تفعلي بزوجك هذا؟! لم يعطِ أمي فرصة للحديث، فقد انهلّ عليها بطعنات ترقد على إثرها في العناية المركزة حتى يومنا هذا، أريد أن أنتقم من هذا الخبيث الذي دمر بيتنا الدافئ، فرق بين أبي وأمي، وأسقط أبي في هاوية الإيمان بالدجل والشعوذة والسحر، وها أنا وأخي ندفع ثمن خطأه،كنا أسعد الناس على وجه الأرض والآن!! أهرب بأخي حتى لا يتعرض لنا أبي، سحره هذا الحقير.سألته غير مصدقة:أيعقل أن يكون شخص بهذه الدناءة لا يهدى له بال إلا إذا فرق بين المرء وزوجه؟!
ردّ قائلاً:
من مثله ليس بإنس إنما شيطان متنكر أقسم لكِ.
لا يا صغيري إنه إنس يأخد تعاليمه من شيطان مريد، إنه يفعل ذلك إرضاءً لهم؛ فأحب السحرة إليهم من يفرق بين زوجين متحابين، أبوك راح ضحية غباءه وتسليمه عقله على طبق من ذهب لهذا المشعوذ.
لا تعلمين سيدتي أي الألاعيب اتخذها ليسقط أبي في تلك المصيدة، فقد كان أبي خلوقًا لا يصدق هذه الخرافات أبدًا.
سألته قائلة:هل تعلم المكان الذي يلتقي به والدك؟
يأتي إلينا في المنزل منذ أن انتقلت أمي إلى المشفى، ليس له مئوى؛ إنه هارب من محافظته إلينا، هذا ما سمعته عنه.
قلت بحماسة:
بالتأكيد يهرب من رجال الشرطة، ستكون نهايته على أيدينا يا بطل، وستعود المياه إلى مجاريها، أعدك، أخبرني عن موعد قدومه بالضبط.ثم ذهبت إلى المخفر لأقدم بلاغًا عن هذا الشخص؛ فرد الضابط قائلاً:هلا أمليتي عليّ اسمه كاملاً وكُنيته؟
أخبرته بأن اسمه «فايز حمودة» وشهرته البحبحاني، بحث عن اسمه فأكد لي أنهم بالفعل يبحثون عنه؛ ليوقفوا شره الذي وصل إلى ذروته. ذهبنا في الساعة العاشرة ليلاً إلى منزل الصغير نتعقب وصول المشعوذ، وبمجرد أن وطأت قدماه أعتاب المنزل حتى أحاطت به الشرطة من كل جانب، ثم ردد الشرطي في شماتة:
وقعت في شر أعمالك يا حمودة، أقسم أنني لن أرحمك.وبعد أن كُبّلت يداه جرى عليه قُصيّ وصفعه صفعة أسالت الدماء من فمه، ثم قال:الويل لك ولأمثالك، دمرتَ أسرًا بأكملها وشردت أطفالاً، أمي بين الحياة والموت وأبي سينتقل إلى المصحة النفسية، كل هذا بسببك يا وجه الشؤم، عليكَ لعنة الله إلى يوم الدين.

--------

#ربا_درباز

#يفرقون_بين_المرء_وزوجه