فاختر الرضا


قصة "فاختر الرضا"
بقلم/ مها محمد الخطيب

أحياناً تشعر بأنك تورطت في حياة كنت تتمني أفضل منها، بل وكنت تدعو الله أن لا يجعلك تعيشها ولو لحظة، وفي غمضة عين يرحل من عالمنا أشخاص كثيرون، والعمر يمضي بين الزمن وفي طياته نفقد ولا نكتسب.
موعودون دائماً بضوء في آخر النفق، خط نهاية لسباق طويل، يسر بعد العسر وفرج بعد الشدة، ولهذا نعيش العمر في محاولات للتجاوز و إدراك النهاية البعيدة!
كنت أقوم بمشترياتي الاعتيادية من المتجر القريب من منزلي ذلك اليوم عندما شاهدت طفلاً لا يتجاوز السادسة من العمر يقف أمام صندوق الدفع.
كان المحاسب يعيد له نقوده و هو يتحدث بضجر:
- عفواً، هذا المبلغ لا يكفي ثمن اللعبة التي اخترتها.
نظر الطفل إلى المرأة العجوز التي تقف معه وقال لها بشيء من الأمل :
- جدتي، ألا يكفي ما معي من مال لأشتري هذه اللعبة؟
أجابته بأسف:
- لا يا عزيزي، فهي غالية جداً.
ثم طلبت منه الانتظار، لم أتمالك نفسي، اقتربت من الطفل الذي وقف حزيناً وهو لا يزال يحمل اللعبة بيده لا يدري ما يفعل، وبأبتسامة عريضة قلت له:
- ما الأمر يا صغيري؟
قال لي بعد أن اكتست ملامحه الحزن:
- يجب أن أشتري هذه اللعبة لأختي، فهي كانت تحبها كثيراً.
وبنبرة هادئة سألته:
- ولماذا لم تحضرها معك؟
فأجابني، وقد ارتسم على وجهه حزنٌ مؤثرٌ:
- لقد اختارها الله لتكون معه.
صدمني جوابه، وأحسست بأن قلبي قد توقف للحظات، ابتلعت ريقي فقد جف حلقي، ثم استجمعت نفسي وسألته بعدما تجمعت الدموع في مقلتي:
- وكيف ستبعث اللعبة لأختك؟
فأجابني: لقد قال لي والدي أن أمي ستلحق بأختي قريباً حتى تطمئن عليها، وأنا أردت أن ترسل هذه اللعبة معها، فأنا اشتقت لها كثيراً.
أردت أن أساعد هذا الطفل بأي شكل كان، فقلت له:
- دعنا نعد النقود التي معك، عسى أن يكون المحاسب قد أخطأ في الحساب.
وبحركة خفيفة مني وضعت مبلغاً من المال في محفظته، ثم قلت له وبنبرة تحمل ثقة :
- أها، هل رأيت؟ إنك تملك ثمن هذه اللعبة و تستطيع شراءها.
لمعت عينا الطفل و لم يصدق ما سمعه، ثم قال بسعادة غامرة:
- البارحة طلبت من الله أن يمكّنني من شراء اللعبة، فاستجاب لدعائي، و الآن أستطيع أن أشتري ليس فقط اللعبة وإنما أيضاً وردة بيضاء لأمي فهي تعشق الورود البيضاء.
ابتعدت بهدوء عن الطفل و قد تملكني شعور غريب، مزيج من الحزن على هذا الطفل الصغير الذي فقد أخته، وبالفرح لاستطاعتي إدخال السرور على قلبه.
تذكرت أنني كنت قد قرأت قبل يومين عن حادث سير تعرضت له أم و ابنتها تسبب بموت الطفلة و وضع الأم في العناية المركزة، و تساءلت هل يمكن أن تكون هذه العائلة نفسها؟
بعد يومين، قرأت في الصحف المحلية بأن الأم قد توفيت، فقررت شراء باقة من الورود البيضاء والذهاب إلى الجنازة، عندما وصلت هناك، لمحت الطفل الصغير واقفاً و هو يذرف الدموع، و رأيت والدته ممددة في نعشها وقد أمسكت بيدها وردة بيضاء و وضع على صدرها اللعبة التي اشتراها الطفل من المتجر.
لم أتمالك أن أحبس دموعي تأثراً بما أرى، فتركت العنان لها للإنهمار، وغادرت المكان وقد شعرت بأن حياتي قد تغيرت للأبد، لقد كان الحب الذي يحمله الطفل لوالدته وأخته من الصعب تخيله، إن قيمة الإنسان فيما يقدمه للآخرين لا فيما يأخذه منهم، عليك بأن لا تيأس قط، أعترف أنك فقدت الأمل في لحظات ضعف ولكنّ هناك صوتاً داخلك يردد دائماً بأن من تمسك بالله فلن يخيب أبدأ، وكما قال جبران خليل جبران
(صدقني، لو فقدت ما فقدت، لو كسر الحرمان أضلاعك، ستجتاز هذة الحياة كما يجتازها كل أحد، فأختر الرضا يهن عليك العبور).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق