لسبب ما لا أعرفه ولا
أريد معرفته طلبت مني خطيبتي أن أحضر إلى منزلها في يوم عيد الحب العالمي حاملا
معي ذلك (الدبدوب) الأحمر الضخم، ثم ننزل سوياً لنتناول (الكوارع والممبار) في ذلك
المطعم الشهير الكائن في تلك المنطقة الشعبية، كما أشترطت أن أحضر عن طريق الحافلة
لا بسيارتي الخاصة، ولما أخبرتها - بحذر - عن عدم حماسي لذلك الأمر غضبت مني وكادت
أن تبكي، أخبرتها بأنني لا أحب (الكوارع والممبار) و بأنني أعتبر طقوس الاحتفال
بذلك اليوم نوعاً من أنواع الحماقة المركزة، خاصة فيما يتعلق بذلك (الدبدوب)
القبيح، كما أخبرتها عن اندهاشي بخصوص طلبها الخاص بضرورة استقلالي الحافلة بدلاً من
سيارتي الخاصة التي جنبتني معاناة ركوب الحافلات العامة منذ أكثر من عشر سنوات .
أخبرتني - بعينين
دامعتين - بأنني لا امتلك أي قدر من الرومانسية والرقة، وأنها أرادت أن تعيش
التجربة التي عاشها الممثل الرومانسي (سامح العنتيل) مع الفنانة الصاعدة (حلا
شلبي) في الفيلم الرومانسي (رغبات إمرأة شنيعة) والتي ركب فيها الحافلة حاملا
(الدبدوب) لحبيبته وغنى لها وشاركه جميع ركاب الحافلة الغناء، حتى وصل إلى
بيتها ثم ذهبا سويا لتناول الممبار!
أُضّطررتُ أمام دموعها
المنسابة إلى قبول طلبها الغريب رغم عدم إقتناعي به حرصاً على مشاعرها الرقيقة
وتعبيراً عن حبي لها.
في اليوم الموعود انتظرت
قرابة الساعتين تحت أشعة الشمس الحارقة حاملاً ذلك (الدبدوب) الأحمر اللعين
- كان يوماً حاراً جداً بالمقارنة بدرجات الحرارة في ذلك الوقت من العام
لسوء حظي - حتى جاءت تلك الحافلة الملعونة التي أنقذتني من نظرات الشفقة
والسخرية التي إخترقتني من المارة في الشارع، فقمت بحشر جسدي فيها، ولحسن حظي وجدت
مقعداً خالياً في مؤخرة الحافلة فألقيت جسدي عليه متنفساً الصعداء بعد أن شعرت بأن
معاناتي قد انتهت ، إلا أنني كنت واهماً كنت واهماً للغاية.
كانت بداية المعاناة مع
جلوس ذلك الشاب الضخم ذي النظرات المتجهمة والملامح القاسية بجانبي، وقد أخذ ينظر
إليَّ وإلى (الدبدوب) الأحمر بنظرات تحمل بعض الاستهزاء مع الكثير من الغضب، ثم
أخذ يتمتم ببعض الأدعية ويستعيذ بالله من الشباب الرقيع الفاقد للهمة وللإيمان (من
أمثالي)، ثم أخرج قلماً ضخماً وأخذ يكتب على ظهور المقاعد المواجهة لنا عبارة :
ينتهي الغلاء إذا تحجبت النساء.
أخبرته - بحذر شديد - أنّ
هذه المقولة ليست بأية قرآنية أو بحديث شريف، كما أنها لو كانت صحيحة لكانت
أفغانستان أغنى دول العالم، ولكانت أمريكا وألمانيا أفقرها، كما أن تشويه مقاعد
الحافلات ليس من الإسلام في شيء.
نظر إليّ بغضب وذكر شيئاً
عن ظهور (الرويبضة) وعن قلة الإيمان في نفوس الشباب وعن ظهور الشواذ جنسياً في
بلاد المسلمين وعن إفسادهم في الأرض بعد أن أمنوا العقاب.
قالها ثم استمر في مهمته
المقدسة المتمثلة في تشويه المزيد من مقاعد الحافلة، ثم نزل بعد دقائق من
الحافلة مسرعاً خلف تلك الفتاة ذات الملابس الضيقة وهو يتمتم بالمزيد من الأدعية!
كان شعوري وقتها يماثل
شعور من قُبضَ عليه متلبساً في قضية دعارة خاصة، مع نظرات ركاب الحافلة الساخرة
التي تنقلت بيني وبين (الدبدوب) الأحمر.
نظرات لو كان هناك جهاز
لترجمتها لقال : خسئت أيها الشاذ أنت ودبدوبك الأحمر الفاجر.
انتهى الأمر بصعود تلك
المرأة البدينة وأطفالها الخمسة إلى الحافلة وجلوسها بجانبي، كان من الواضح أنها
معجبة جداً بجيناتها الوراثية مما دفعها لإنجاب خمسة أطفال أكبرهم يبدو في السادسة
وكلهم يحملون نفس ملامحها وخصائصها الجسدية.
احتدم الصراع بين المرأة
والمحصِّل بعد أن طلب منها ذلك الأخير أن تدفع قيمة عدد إضافي من التذاكر بسبب
وجود الأطفال، فرفضت المرأة بإصرار وأصرت أن تدفع قيمة تذكرة واحدة فقط، وأخبرت
المحصل بأن أولادها سيجلسون على أرجل أعمامهم من ركاب الحافلة، ثم ذكرت شيئاً عن
الشهامة المصرية المتأصلة في نفوس الشعب، ثم أدخلت قرارها حيز التنفيذ دون انتظار
موافقة أحد، وقامت بتوزيع أطفالها على ركاب الحافلة.
وكان (حمادة) - أسمن
الأطفال - من نصيبي!
في اللحظة الأولى التي
وضع فيها حمادة مؤخرته على قدميّ عرفت أن هذه المؤخرة ستكون سبباً في تدمير
جهازي العصبي، كجنرال حربي يدرس أرض أعدائه جيداً قبل القيام بخطة الهجوم الشاملة،
بدأت المؤخرة اللعينة في التسلل للمقعد الذي أجلس عليه لتحتلّ المزيد من مساحة
المقعد، في الوقت الذي كنت أخسر أنا المزيد منها، وانتهى الأمر باحتلال المقعد
بالكامل وسحقي تماماً في المساحة الضيقة بين مقعدي وظهر المقعد المواجه لي.
أرادت الأم أن تشعر
(حمادة) بالمزيد من الأمان والإستقرار فقامت بإعطائه تلك الشطيرة ذات الرائحة
الشنيعة التي تليق بجثة متعفنة لا شطيرة بيد طفل!
تحققت مخاوفي بشأن مؤخرة
(حمادة) التي ناصبتني العداء من اللحظة الأولى فقد قررت بعد لحظات من التهام
(حمادة) لشطيرته الملعونة أن تبوح بأسرارها المكنونة، وأن تظهر مواهبها المدفونة.
شلال من البراز الدافئ
اللزج انهال على ملابسي وعلى (الدبدوب)، وجعل الموت في هذه اللحظة حلماً
غالياً وأمنيةً عزيزةً أتمنى لو تحققت.
غادرت الأم ووحوشها
الخمسة الحافلة وجاءت بدلاً منهم تلك الفتاة المتأنقة المتشنجة المستاءة من كل شيء،
والتي تضع على وجهها كمية من مساحيق التجميل تكفي لتزيين جيش من المراهقات.
كانت من النوع الذي يضع أكثر من طبقة من طبقات
غطاء الرأس، فبدا رأسها ككرة عملاقة من الألوان الزاهية غير المتناسقة، كما
كانت ترتدي ملابس ضيقة للغاية، وبدت لي من النوع المتكلف الذي يستخدم أسماء
مستعارة في موقع فيسبوك من عينة (ملكة بحجابي) و (جميلة بأخلاقي) و (رهيبة بإيماني).
ومن النوع الذي يشعر أي
رجل يتعامل معها بأنه ذئب بشري أصيب بالجنون، لفرط جمالها الأخاذ .
نظرت لي بإشمئزاز ولدته
رائحة براز (حمادة) المنبعثة مني، نظرة من عينة :
(لن
تظفر بجمالي أيها الذئب البشري ذو الرائحة الكريهة، ألم تعلم بأنني ملكة بحجابي
ورهيبة بإيماني ؟)
ثم أتبعت تلك النظرة
بشلال آخر من القيئ انهال على وجهي وملابسي وعلى الجزء الذي لم يتلوث
بالبراز من دبدوبي البائس، ثم أسرعت بالنزول من الحافلة بعد أن ذكرت شيئاً عن
الذئاب البشرية كريهة الرائحة .
كانت الفقرة الأخيرة من
فقرات المعاناة في تلك الحافلة الملعونة هي فقرة المتسوّلة العجوز التي أقتحمت
الحافلة وهي تبكي بصوت رقيق يذيب المشاعر، ثم ذكرت شيئاً عن ظروفها الصعبة
المتمثلة في وفاة زوجها، ومرض جميع أطفالها بالسرطان، وعدم وجود مصدر دخل لهم،
ثم قامت بتوزيع بعض الأوراق التي طبع عليها بعض الأدعية والأذكار الغريبة
على ركاب الحافلة.
كانت العبارات المطبوعة
من عينة : تلاوة سورة كذا يعالج القولون، و تلاوة سورة كذا يعالج
البواسير، وتلاوة سورة كذا يعالج حب الشباب!
أخبرتها وأنا على ثقة
تامة بأنني قد أصبت بتهتك في القرنية - بعد أن قامت بقذف ورقة من الأوراق التي
كانت تحملها داخل عيني اليسرى - بأن هذه العبارات المطبوعة في الأوراق التي تحملها
ليست من الدين في شيء، وأنها من البدع التي تلقي بأصحابها في النار وهم يحسبون
أنهم يحسنون صنعاً.
تحول صوت المرأة
الرقيق إلي صوت خنزير بري مصاب بسرطان الحنجرة وهي تقول
:
-
وانت مالك يا معفن، يا تدفع من سكات يا تخرس خالص، مش ناقصة قرف ع الصبح مش
كفاية ريحتك !
في النهاية وصلت إلى
منزل خطيبتي وأنا أحلم بحوض للسباحة مملوء بحمض الكبريتيك المركز ألقي فيه
بجسدي الملوث لأتطهر داخلياً و خارجياً.
طرقت الباب ففتحت خطيبتي
وعلى وجهها ابتسامة بلهاء (كابتسامة حلا شلبي في فيلم رغبات امرأة شنيعة)،
فقدمت لها (الدبدوب) الذي صار لونه مزيجاً من البني الفاتح والأصفر.
فإبتسمت بحنان وقالت لي أنها
قررت أن تطلق اسم (حمادة) على مولودنا الأول كما فعلت (حلا شلبي) في ذلك الفيلم
اللعين .
ثم سألتني بسعادة :
- مش هاتخرجني يا حبيبي؟
- أكيد هاخرجك!
- فين يا حبيبي؟
-هاخرجك من حياتي، يا
حياتي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق