آمال فهمي



شخصية العدد
"آمال فهمي"
مجدي محروس

ورحلت ملكة الكلام "أم الإذاعة المصرية"
حين تكون الدقة في المعلومات هي هدفنا..
ويكون السرد الجذاب والمصداقية هما مصدر متعتنا..
ويكون الذهن الحاضر والأمل والرغبة المستمرة في العطاء هو ما يستحوذ علينا ويتغلغل في أعماقنا..
حينها كنا ندير مؤشر المذياع لنسمع صوتها المميز عبر البرنامج العام وهي تهتف بنبرة مميزة تخطف القلوب : "على الناصية"..
إنها الإذاعية والإعلامية القديرة آمال فهمي..
التي رحلت عنا في الشهر الماضي..
شهر إبريل..
الشهر الذي اشتهر بالكذب – وكم تمنينا أن تكون كذبة بحق - ولكن للأسف إنها حقيقة..
نعم.. لقد رحلت الأستاذة آمال فهمي..
رحلت بعد رحلة طويلة من العطاء..
العطاء بلا حدود..
رحلة امتدت لما يقارب اثنين وتسعين عامًا..

ومن خلال هذا المقال سنغوص معًا في تاريخ الراحلة ونتوقف مع أهم المحطات في حياتها العملية والشخصية :
·       آمال فهمي هى الوحيدة التي حصلت على لقب فريد من نوعه وهو "ملكة الكلام" للوطن العربي من لبنان بعد استفتاء موسع في الدول العربية، وأيضا حصلت على لقب "أم الإذاعة المصرية" وكان هذا اللقب هو الأقرب لقلبها حسب تصريحها في أكثر من مناسبة.
·       آمال فهمي هى صاحبة أقدم وأشهر برنامج إذاعي في مصر والوطن العربي وهو برنامج "على الناصية" ذلك البرنامج الذي كان ينتظره الملايين من المستمعين في الوطن العربي وفي مصر خاصة في الواحدة والنصف ظهرًا عقب صلاة كل يوم جمعة، وقد استمرت فى تقديمهِ لمدة تزيد على الخمسين عامًا، مِمَا أهلها لدخول موسوعة «جينيس» العالمية باعتبارها المذيعة الوحيدة فى العالم التى استمرت فى تقديم نفس البرنامج كل هذه المدة. 
·       آمال فهمي التي حاورت معظم الرؤساء والملوك العرب والمشاهير، ومنهم أم كلثوم وعبد الوهاب وتوفيق الحكيم وطه حسين وأحمد زويل ونجيب محفوظ ومحمد حسنين هيكل...
·       آمال فهمي تبنت من خلال برنامجها حملة تبرعات لمعهد القلب، فجمعت تبرعات وصلت إلى ثمانية ملايين جنيه، كما جمعت تبرعات لإنشاء قسم العناية المركزة بقصر العيني وتبرعات لصالح معهد الأورام ولصالح المحتاجين، كما ساهم البرنامج - أيضًا - فى إنشاء «مستشفى 57357» إضافة إلى تطوير عنبر الحروق فى مستشفى «قصر العيني»، وكذلك «أبو الريش»، كما أنه كان من أوائل البرامج التى دعت «د. مجدي يعقوب» لعمل جِراحات مجانية للأطفال.
·       آمال فهمي صاحبة فكرة إدخال الفوازير للإذاعة المصرية عام 1955 وكانت بعنوان "من صاحب الصوت" وتقوم فكرتها على أن يقوم أحد المشاهير بقراءة جزء في كتاب؛ ليتعرف المستمعون على صاحب الصوت، ومن المفارقات الجميلة أنهم استدعوا كوكب الشرق أم كلثوم لقراءة جزء من كتاب الأيام لطه حسين، ولم يستطع أحد من المستمعين في التوصل لصاحبة الصوت؛ وهذا لأنهم لم يتعودوا علي صوت أم كلثوم وهي تتحدث.
·       ومن المواقف الطريفة التي وردت على لسان الراحلة في أحد أحاديثها أن المطرب الراحل عبد الحليم حافظ اتصل بها وقال لها أنه يريد أن يستغل شهرة برنامجها "على الناصية" في أحد أفلامه، وحينها ظنت أنه يمزح معها، ولكنها فوجئت باتصال منه يؤكد أن التصوير غدًا في حديقة الأندلس، وبالفعل ذهبت مع طاقم برنامجها وظهرت في فيلم "حكاية حب" بشخصيتها الحقيقية، وكان عبد الحليم يقوم يومها بدور مطرب مغمور يبدأ رحلة شهرته من خلال الظهور صدفة في برنامجها ويلقي فيه إحدى أغانيه ليسمعه أحد المنتجين ويبحث عنه لتبدأ شهرة حليم بعد ذلك، والأمر الظريف أيضًا في تلك الحكاية أن أجر آمال فهمي عن ظهورها في هذا الفيلم كان زجاجة عطر شهير أهداها لها حليم.
·       آمال فهمي صاحبة الفضل في ظهور العديد من المواهب في كافة المجالات، منهم سمير صبري ومها صبري في الفن، وكذلك الشيخ النقشبندي والشيخ أحمد نعينع.
·       تعرّض برنامج آمال فهمي "على الناصية" للإيقاف لمدة عشر سنوات (1967 إلي 1977)؛ وذلك لأنها في برنامجها استضافت مواطنًا يشكو من عدم وصول الكهرباء لقريته على الرغم من مرور الكهرباء من قريته؛ لتصل لقرية أحد المسئولين، وكان ذلك المسئول هو على صبري رئيس الوزراء، وبعد الحلقة صدر قرارًا بإيقاف البرنامج، ولكنه عاد للظهور مرة أخرى في عهد الرئيس السادات.
·       من أهم القضايا التي تناولها برنامج "على الناصية" والتي لا ننساها أبدًا وتعلقنا بها وتابعنا أحداثها قضية الطفلتين بسمة ونسمة وقد خطفهما أبوهما الفلسطيني من أمهما المصرية وسافر بهما إلي ألمانيا، وظلت الأم تبحث عنهما لمدة خمسة عشر عامًا، وتابعت الراحلة آمال فهمي القضية خلال البرنامج مع كافة المسئولين بالداخل والخارج حتى توصلت لمكان الطفلتين، وحينها أخذت الأم وسافرت معها لألمانيا، كان لقاء الأم بابنتيها مشهدًا مؤثرًا بكينا معه جميعًا.

نبذة عن حياة الراحلة:
ولدت آمال فهمي في 4 نوفمبر 1926 وكانت ابنة وحيدة على ثلاثة صبيان، ونشأت في حي عابدين بالقاهرة وحصلت على ليسانس آداب قسم اللغة العربية من جامعة القاهرة، وخلال الجامعة كان لها العديد من الأنشطة ومنها التمثيل، وحصلت على الميدالية الذهبية في التمثيل عن دور «أوفيليا» في رواية «هملت» عام 1949.
والتحقت للعمل بالإذاعة المصرية عام 1949 بأجر قدره مائة وستون قرشًا (160 قرشًا) وتزوجت من المخرج الإذاعي الشهير محمد علوان، ومن المفارقات الجميلة بينهما في رحلة زواجهما أن سبب خلافهما الوحيد أنها كانت زملكاوية تحب القطط في حين كان زوجها أهلاويًا يخاف من القطط، وأيضًا أنه عندما كان يشتد الخلاف بينها وبين زوجها لأي أمر من الأمور كان يترك لها المنزل وينزل في فندق "مينا هاوس" حتى يهدأ ليعود لها من جديد.

ومن الأقوال المأثورة لها عن برنامجها "على الناصية" أنه كان موضوعًا تحت المراقبة الدائمة وخاصة في عهد عبد الناصر الذي عانت فيه الكثير من الاضطهاد وصل إلى إعفائها من منصبها ووقف برنامجها ومنعها من السفر؛ وذلك بسبب سيطرة الاتحاد الاشتراكي على الإعلام وأنها لم تعد لمنصبها إلا في عهد السادات الذي رفع الرقابة عن برنامجها، ولكنه طالبها بصفة شخصية أن توازن الأمور جيدًا قبل طرحها، وفي عهد مبارك كانوا يصرون على الاستماع إلى الحلقات قبل إذاعتها ويحذفون ما يشاؤون من النقد الذي تقدمه في أي مجال سواء التعليم أو الاقتصاد أو السياحة.

ومن المواقف التي تحسب لها أنها نزلت لميدان التحرير –رغم كبر سنها- إبان ثورة يناير، وسجلت حلقة مع الثوار بالميدان الذين تعاملوا معها بكل تحضر ورُقيّ نظرًا لتاريخها المشرف وسمعتها التي لم تلوث في أي عصر من العصور التي عاصرتها، بالإضافة لهذا كانت الراحلة تؤكد دومًا في أي لقاء لها أنها توقعت حدوث ثورة يناير بعد ظهور مشروع التوريث، ولكن الذي لم تتوقعه أن تحدث الثورة بهذه السرعة.

ومن القرارات التي اتخذتها الراحلة وندمت عليها أنها أجهضت نفسها مرتين؛ لحبها لعملها وعدم رغبتها في أن يشغلها عن عملها أي شيء حتى الأبناء.
رحم الله الفقيدة آمال فهمي وأسكنها فسيح جناته.
---------
#مجدي_محروس
#آمال فهمي
#ملكة_الكلام
#أم_الإذاعة_المصرية





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق