"قصة
قصيرة/ رحيل"
الكاتبة: مروة شاهين
يا محمد بلاش تبيع العربيه اسمع كلامي المره دي.
صدقيني يا مي ده مكسب حلو وانتي عارفه انا قد ايه بحب اغير العربيات، هجيب
العربيه اللي ادامي منغير ما احط ولا مليم هيبقي معانا عربيه احدث، ثم التفت محمد
ناظرا بحنان لطفله ابن الثلاثون يوماً فقط وهو نائم بجواره علي سريرهما وقبله من
جبينه واقترب من زوجته مي وانحني علي صدرها حيث ترضع طفلتهما الأخري وتوأمة الولد
ثم قبلها برقه ومسح علي شعراتها الخفيفه فوق راسها الصغير وابتسامة الأبوه تملئ
وجهه قائلاً ..واهي تبقي فرحتها جديده مع فرحة ولادنا خليهم يركبوا عربيه جديده
أول ما يجوا الدنيا كدا.
كانت مي تتابعه بعيناها المملؤه بالحب وهو يقبل طفلاهما ثم تلاقت عيناهما
حين قال عبارته الأخيره فرأت في عيناه اصراره علي بيع السياره فصمتت علي مضدد حيث
كانت ترفض البيع ولكنها لم تكن تعلم السبب فقط شعور غريب بالقلق وعدم الراحه لهذه
الخطوه.
في صباح اليوم التالي رن هاتف محمد كان الرائد أ.ع هو المتصل، موعدهما
اليوم صباح الأحد، امام الشهر العقاري حيث أنها المره الأخيره بعده عدة مقابلات
لفحص السياره والاتفاق علي الثمن سينتهيا اليوم من كل شئ،
صباح الخير يا سيادة الرائد، حالا يا فندم نازل وهكون هناك قبل المعاد ان
شاء الله، مع السلامه.
صباح الخير يا حبيبتي.
صباح النور يا روحي، انت لحقت تلبس؟
مش عايز اتأخر علي الراجل انتي عارفه الناس دي بتبقي مواعيدهم زي السيف.
ايه ده يعني مش هنفطر سوا! دانا خلاص جهزت الفطار اهو.
قالتها مي وهي علي علم بالرد فتشكلت ملامحها بحزن مدلل. اقترب منها محمد
داخل مطبخهما الصغير وطبع قبله علي شفتيها الصغيره ثم نظر لها مغازلاً وقال، أول
ما ارجع هعملك حتة أكله تاكلي صوابعك وراها وعاوزك ترتاحي وماتعمليش اي حاجه لحد
ما اجي، الولاد مسهرينك طول الليل ولازم ترتاحي وهم نايمين.
نظرت له مبتسمه بحب ممتنه لكم الحنان الذي يغمرها به طيلة الوقت ثم قالت،
ماتقلقش يا حبيبي هيام اختي زمانها جايه وهتساعدني.
طيب يا روح قلبي ارتاحي وماتعمليش حاجه بردو لحد ماهي تيجي وخليها تعمل
شويه وسيبيلي الباقي المهم انك ماتشغليش نفسك بحاجه كفايه اوي اوي عليكي الولاد.
امتلئ وجه مي بابتسامتها المحبه لحنانه واهتمامه بها، ربنا يخليك لينا
يامحمد ومايحرمناش منك ابداً ياحبيبي.
احاطها بذراعيه وضمها بحنان، ولا يحرمني منكوا ابداً ياروحي. ظل محتضنها
وهو مغمض العينين لعدة ثوان وكأنه وجد موطنه ونسي العالم بأثره ثم تفحص ملامحها
قليلاً ورسيت سفينة عينه علي شاطئ عيناها البنيتين فباتت فيهما لدقيقه كامله
فاقترب منهما وطبع بين العينتان قبله دافئه ونظر لهما ثانيةً قائلاً،
أنا لازم امشي مش هتأخر عليكوا، أخذ أوراقه وهاتفه المحمول ومفاتيحه وخرج
وأغلق باب الشقه خلفه ولم تغب عينتا مي عنه حتي بعدما غاب ظلت تنظر للباب لثوان
وكأن هناك خطب ما داخل صدرها سرحت قليلاً لا تعرف ما بها ولكنها أرجأت ذلك الشعور
نتيجة السهر ومهام الامومه الجديده عليها، اتجهت لغرفة النوم والقت نظره علي
صغارها النيام ثم عادت وجلست في الصاله امام التلفاز وامسكت جهاز التحكم واخذت
تقلب بين قنواته علها تجد ما يسليها حتي تأتي أختها هيام.
مرت ساعتان في صمت لا صوت غير صوت التلفاز الخافت جداً حتي لا يوقظ الصغار،
ثم رن جرس الباب، انتبهت مي وذهبت لتفتح الباب، دخلت هيام قائله وهي تخلع حذائها،
ايه يا مي مافتحتيش علي طول ليه كنتي في الحمام ولا ايه؟
لا، تعالي اقعدي.
محمد نزل؟
اه راح يقابل الراجل اللي هيشتري العربيه.
طب وانتي مالك شكلك مخضوضه ليه كدا؟
مش عارفه.
مش عارفه ايه! يعني في حاجه خضاكي فعلا ولا ايه؟ العيال كويسين؟
كويسين كويسين نايمين جوا ماتخافيش.
امال انتي مالك يابنتي قلقتيني!
مش عارفه من ساعة مانزل محمد وانا حاسه اني قلبي واجعني مش عارفه ليه.
ليه بس؟
مش عارفه.
مش هو كويس؟
اه اه الحمدلله بخير.
طيب ماتقلقيش نفسك يابنتي، انتي بس اللي بتحبيه زياده عن اللازم والحب
الزياده ده بيوجع القلب.
بحبه بس! دانا بعشقه وروحي فيه، هو كل حاجه في حياتي يا هيام مانتي عارفه
كل حاجه 11 سنه بنحب بعض لحد ماقدرنا نكون نفسنا ونتجوز و5 سنين جواز منغير ولاد
عمره ماحسسني في لحظه واحده انه ناقصه اي حاجه، انا كل حياته وهو كل حياتي بنبعد
عن بعض وقت الشغل بس علي عنينا، واول مابيخلص شغله بيجي جري عليا وانا بافضل أعد
الدقايق علي ما يرجعلي، واخيرا ربنا كلل العشق الكبير ده بطفلين توأم وطلعوا
الحمدلله زي ما اتمنيت ودعيت وانا حامل فيهم البنت شبهي والولد شبه محمد وفرحتنا
بيهم وبحياتنا ماتتقدرش، احنا سعادتنا وحبنا مايتقدروش يا هيام، بعد كل ده
بتقوليلي بتحبيه زياده عن اللازم!
كانت تستمع لها هيام بحب وسعاده لسعادة اختها الوحيده، يارب يديم عليكم
حبكم وفرحتكم واولادكم ويهدي سركم يا قلبي.
يارب.
طب يلا يلا قوليلي عاوزه تتغدي ايه النهارده عشان الحق اخلص عندي مشوار
العصر.
الساعه الرابعه عصرا، تجلس مي علي سريرها وقد انتهت من غيار ملابس طفلاها
واطعمتهما نامت الفتاة اخيراً، جلست مي تهدهد الولد لم ينم بعد.
انا نازله يا مي عاوزه حاجه؟
لا يا حبيبتي سلامتك.
طيب هخلص مشواري وارجع علي البيت عندي بقي لو عوزتي حاجه كلميني، محمد اتصل
تاني؟
اه لسه قافل قالي انه هيتأخر شويه الراجل اللي هيشتري العربيه بعت يجيب
عربون ومستني اخوه يجي.
عربون! هو مش هيستلم المبلغ كله النهارده؟
المفروض.
امال ايه؟
والله مانا عارفه يا هيام مافهمتش كان مش عارف يتكلم كدا وكأنه مشغول اوي
قولت ما اشغلوش عشان يخلص علي طول ويرجع.
طيب خير، انا نازله باي.
الساعه الحادية عشر مساءاً، لم يعود للبيت حتي الأن، أرسلت له رساله عبر
الواتس اب،
محمد انت اتأخرت أوي أوي ليه كدا؟
أنا لسه قاعد معاه مستنيين أخوه مش عارف امشي ومش طايق نفسي.
لحد دلوقتي كل ده بيجيب عربون!!
......
محمد؟
......
طيب لو مش هتبيعها النهارده خلاص سيبه وتعالي بقي.
......
محمد؟
.......
لم يرد، صمت وغصة قلبي تتزايد، وليس أمامي شيء سوي الإنتظار، وبعد أن كنت
أصاحبه في جميع مشاويره الأن لابد أن أنتظر في البيت لأراعي الصغار والقلق يمزق
قلبي علي غيابه.
الساعه الثانية عشر، لا أحتمل اتصلت به، لا يرد، أعدت المحاوله ولم يرد
ولكن رد شخص آخر علي هاتفه،
أنا بأتصل بموبايل محمد جوزي، هو فين!
صوت متردد قليلا تنحنح وتمالك قليلاً وقال، انا لقيت الموبايل بتاعه بس
عليه رقم سري لو سمحتي مليهولي.
حدثني عقلي، يالوقاحته سرق هاتف زوجي ويطلب مني رقمه السري ليتمكن من
استخدامه،
انا ما اعرفش الرقم السري بتاعه.
طيب انتوا ساكنين فين؟
هو مين حضرتك؟
انا ظابط وعاوز اعرف العنوان عشان اجيبلك التليفون.
طيب حضرتك خليه معاك واكيد محمد هيرجع ياخده منك أو هيتصل من رقم تاني.
زفر بيأس وأنهي المكالمه.
لا أستطيع السيطره علي اعصابي، مابين البلكونه والنافذه بعينان زائغتان
تتفحصان الشارع من بدايته حتي نهايته في اقل من ثانيه، هذا هو حالي.
الساعه الثانية عشر والنصف، لا أتوقف عن الاتصال بمحمد ولكن يتم قفل
المكالمه بمجرد أن أسمع صوت الرنين، ثم تفحصت برنامج الواتس آب ثانية فوجدته قد
فُتح منذ قليل وأُغلق، تنفست الصعداء وحمدت ربي لابد انه قد عاد وأخذ هاتفه حيث أن
الهاتف يفتح فقط ببصمته، ولكن لماذا لا يرد علي اتصالاتي لا أنفك أتصل به ولكنه لا
يجيب، ثم أغلق الهاتف تماماً، الان لا يمكنني الوصل إليه مطلقاً حتي يتصل هو أو
يعود، مرت الدقائق كالسنين أتنفس بصعوبه أشعر أنني افقد التركيز وعلي وشك ان أفقد
الوعي بسبب التوتر الزائد، ابنتي استيقظت وشرعت في البكاء لابد وانها جائعه أو
تريد تغيير الحفاض، وضعي غريب بقيت جالسه في مكاني علي الكرسي بجوار النافذه شاخصه
البصر وجُل ما يجول في خاطري هو لماذا تبكي صغيرتي، هل تريد تغيير الحفاض ام
أبكاها الجوع أم تشعر بقلقي وحيرتي أو بغياب والدها، بقيت هكذا عدة دقائق والبنت
تبكي داخل الغرفه دون ان اتحرك واضمها أواسكت بكائها.
الساعه الواحده صباحاً، رن هاتفي بين يدي فأعادني لواقعي المرير رفعته أمام
عيني بسرعة، انه رقم غريب، اجبت في لهفه عله هو زوجي الحبيب وقد نفذ شحن هاتفه
واتصل من رقم اخر ليريح قلبي،
ألو، محمد
ايوا يا مدام معاكي الظابط اللي رديت عليكي من شويه.
لو سمحت محمد جوزي فين ما بيردش عليا ليه؟
جوزك في القسم في مشكله بسيطه كدا وهنحلها علي طول بس عاوزين نعرف العربيه
فين؟
عربيه!
اللي كان نازل يبيعها النهارده.
مهو نازل بيها من الصبح.
يعني هي مش عند البيت؟
لا بقول لحضرتك نزل بيها من الصبح.
اغلق الهاتف دون ان يزيد حرفاً اخر او حتي يسمع سؤالي، جال في خاطري احتمال
سيء، لابد أن من كان سيشتري سيارته اليوم سرقها منه وهو ذهب الي القسم ليُبلغ عن
السرقه، ولكن لماذا يهاتفني ذلك الضابط طوال الوقت ولا يدعني اتحدث مع محمد؟!
انا حقاً بلهاء، وهل يذهب للقسم
ليبغ عن رائد!!
اتصلت به فورا علي نفس الرقم الغريب،
لو سمحت فين محمد ارجوك قولي؟
ماتقلقيش هو بس عمل حادثه بسيطه والأسعاف اخدته.
بدأت تتساقط دموعي دون شعور وانا اسمعه دون أن أرد ثم سألني،
عاوزين نعرف العنوان لو سمحتي عشان نجيلك، وصفت له عنوان البيت بالتفصيل
وأغلقت الهاتف لاتصل باختي هيام وأخي عمرو وفي أقل من ثلث ساعه كانا هنا عندي ولكن
قبل أن يصلا كان الضابط قد وصل تحت البيت ومعه ضابط آخر ويبحثان بسرعه وتوتر عن
السياره، ترجلت مسرعه ألهث باكيه وبمجرد أن خرجت للشارع لم يكن علي لساني غير جملة
واحده،
أبوس ايديكوا خودوني له، ودوني عند محمد، طب هو فين وانا هروح له؟ طب هو
كويس ولا جراله حاجه؟
يتلاشيان النظر في عيني الباكيه الراجيه ولم يكن منهما رد غير، انتي ست
مؤمنه وموحده بالله واحنا مش عاوزين غير نجيب حق الراجل ده.
مش عايزه حقه انا عايزاه هو ارجوك قولي هو فين؟
حديثهم لا يحمل غير معني واحد أن محمد مات ولكني اكدب نفس ومسامعي أخبر
نفسي أنه حادث كبير وسيمر علي خير، لن أفقد محمد، لن افقد حبيبي وزوجي وكل حياتي.
وصل أخي عمرو ووقف يتحدث معهما في منتصف الشارع والتقطتني هيام من أمامهم
واجلستني بعيد عنهم قليلاً بجوار باب البيت،
جسدي يرتعش وعيني الباكيه لا تغادرهم لا أشعر بنفسي لم أرغب أن أبتعد عنهم
ولكني لا أتحكم في نفسي لم أرفض أو أقاوم حتي عندما سحبتني هيام بعيداً، عمرو
يتحدث معهم اعطياني الضابطان ظهرهما وهما يتحدثان وأخي عمرو يستمع لهما في صمت
وانا آراه، تغير وجهه مائه وثمانون درجه نظر لي وهو يستمع لهما ثم أشاح بعينه
ثانية، ثم تركهما وأتاني متردد خائف، جلس علي ركبتيه أمامي ناظراً لي بشفقه وحزن
وقال،
تقريباً كده محمد خلاص.
اجتاح جسدي هبوط الخوف وشعرت بأمعائي تهوي من الداخل وكأن دمائي بالكامل
تنزل لقدمي دون صعود وقد توقفت دورتها، لا أتوقف عن قول، ابوس ايدكوا ودوني له
ابوس ايدكوا صحوني من الكابوس ده.
اخذني عمرو للقسم فوراً، دخلنا علي خطي الضابطان لا نعرف الي اين نذهب،
توقفا امام باب مكتب وطلبا مننا الانتظار ثم دلفا هما للداخل.
انتظرت مع اخي وانا استند علي صدره ولازال جسدي يهبط داخلياً ولا يحملني،
فُتح باب المكتب وخرج منه عسكري حاملا سلاح علي كتفه ونادي علي زوجة المتوفي محمد،
وقعت علي مسامعي كالنيران الملتهبه، بقيت صامته فاتحه عيني كما هي لا انطق ولا
افهم، فنظر لي اخي بحزن وقال،
تعالي يا حبيبتي.
اوقفني ودلفنا للداخل، اجلسني عمرو وجلس امامي علي الكرسيان بجوار المكتب
وامام المكتب يجلس ضابط ثالث بدأ معي تحقيق مطول عما حدث طوال اليوم منذ الصباح
وحتي الان، ثم بدأت الامور تنكشف أمامي.
قبل أن يتوفي محمد بأسبوعين عرض سيارته للبيع لأنه يود تغيير لونها، اتصل
به رجل وأخبره انه سيشتري السياره بالسعر المعروض ويود مقابلته، تقابلا أكثر من
مره ولكن في كل مره يغير كلامه واتفاقه مع محمد علي السعر المعروض،
وبعد التحقيق معه اكثر من مره وفي كل مره يغير أقوله حتي تبين انه اراد
اليوم ان يجبر محمد ان يمضي علي عقد البيع دون ان يعطيه ثمن السياره ولكن محمد رفض
فضربه بالنار، هو وكيل نيابه وعمره 27 عام ولم تكن هذه الوقعه الأولي من نوعها
الذي يقوم بها، ولكنه نصب علي ثلاثه آخرين قبل محمد واستولي علي سيارتهم بنفس
الطريقه، ولكن لماذا لم يبلغ عنه اي منهم! أو كيف كان ينفد بعملته! لا أحد يعلم،
هو الان محبوس علي ذمة التحقيق في انتظار تحويل القضيه للمحكمه.
توفي محمد تقريبا الساعه الحادية عشر وخمسة عشر دقيقه مساءاً اي بعد محادثه
معي بخمسة أو عشرة دقائق تقريبا.
عُدت لبيت خاويه منهزمه وحيده، لست
انا، بدلتني هذه الليله مائه وثمانون درجه، دخلت شقتي، كم كانت مظلمه ومكتئبه
جدرانها، وقفت امام باب غرفتي نظرت لطفلاي النائمان الذين لم يتعدي قدومهما لهذه
الدنيا اربعين يوما وسيصبحا نهارهما القادم يتيمان، جلست بجوارهما اخبرهما انهما
لن يريا والدهما ابداً بعد اليوم، ودعهما صباحاً وغدا للقاء ربه.
لا اعرف كيف سأكمل حياتي ولكني أُجبرت علي اكمالها من اجل اطفالي.
احتسبه عند الله شهيد فهو مات دون ماله،
اللهم انا لا نزكيه عليك ولكنا نحسب انه آمن وعمل صالحاً فاجعل اللهم له
جزاء الضعف بما عمل واجعله يارب في الغرفات من الامنين.
---------
#مروة_شاهين
#رحيل
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق