"الأدبية بين
الفصحى والعامية"
بقلم/ سيد صبري
الاحتكار سلوك لا
تستسيغه الفطرة الإنسانية السوية... شعورك بارتفاع ثمن السلعة ما يجعلها ممتنعة
عليك هو شعور قاس على النفس.
ولا يختلف الاحتكار في
سوق البضائع عن الأدب في احساسنا بالعجز عن فهمه فضلا عن الإتيان بمثله.. الأمر
الذي يجعل الأدب في بعض الأحيان مهنة كهنوتية تنحصر في طائفة خاصة وتتوجه إلى
أفراد بعينهم أو فئات بعينها.. كثيرا ما أتذكر هذا الحوار الذي دار بين أديب وقارئ
يسأله (لم تقول ما لا يفهم) فيرد الأديب (ولم لا تفهم أنت ما أقول) هذه الجدلية
تدفعني للضحك وتدفعني في ذات الوقت للتساؤل عما ينبغي أن يكون هل ينزل الأديب إلى
الناس أم على الناس أن يصعدوا ويرتقوا للأديب.
الصراع قديم جدا قدم
الكتابة نفسها ففي الجاهلية تنتشر اللهجات في كافة ربوع الجزيرة بين عامة الناس
ولكل قبيلة لهجتها الخاصة في التواصل بين أفرادها لكن عند إنشاد الشعر وإلقاء
الخطب سيطرت لهجة قريش على بقيتها نظرا لهيمنتها الإقتصادية والدينية والسياسية
وفي كل عام تنطلق المسابقات التي يتبارى فيها الشعراء والخطباء لنيل الجوائز في
سوق عكاظ فإذا اعتبرنا أن لهجة قريش هي المعتمدة فإن بقية اللهجات تعتبر بتوصيف
عصرنا عامية للاستهلاك المحلى وليس الدولي.. للاستخدام الذاتي وليس للاستخدام
الإنساني.. لكن مع فروق محدودة بينها وبين اللهجة الغالبة في سوق الأدب وهي لهجة
قريش لذا لم يكن فهمها متعسرا أو حائلا بين الناس والأدب.
وفي أوروبا ينشأ التعارض
ذاته في هيمنة الأعمال الكلاسيكية التي تحتفي باللاتينية الأم في كتابة الأدب أو
تحتفي بالطريقة الكلاسيكية في تأليف القصص والشعر والمسرح.. حتى ظهرت المدرسة
الرومانسية كشكل من أشكال الثورة على تلك التقاليد البالية وقد كانت فيما تعنية
كلمة الرومانسية للدراسين(اللهجات المحلية) ففي حين يحتفي الأدباء الكلاسيكيون
باللاتينية القديمة وأدبها ويجعلونها الأسوة والقدوة في ما يؤلفون فإن الأدباء
الرومانسيون يطرحون هذا جانبا ويهتمون بلهجاتهم الجديدة وتقاليدهم الجديدة فيؤلف
شيكسبير بالإنجليزية أعمالا خالدة يعرض فيها المجتمع بصورة طبيعية في مزاياه
وعيوبه وعلى ذات الأسلوب يمضي فيكتور هوجو في فرنسا ودانتي في إيطاليا وكل واحد
منهم يكتب بلغة الإقليم الذي يعيش فيه.. ما يمكن أن نسميه أدبا لعموم الناس لا
للخاصة منهم.
وفي أدبنا العربي تتخذ
المعركة شكلا آخر فمنذ القديم والعرب الأقحاح يتأففون مما يسمونه بـ (اللحن) وهو
الانحراف في اختيار الألفاظ وإعرابها و قد انبرى العلماء في عصور التأليف إلى
الكتابة عما تلحن فيه العامة كما فعل (الفراء) و(أبو العباس ثعلب) وغيرهما بغية تصويب الأخطاء واجتنابها حتى لا تتشوه الصورة
الجميلة للغة أو يدخل إلى اللسان العربي ما لا ينتمي إليه بنسب أصيل.
يتطاول بالفصحى الزمان
وهي مستقرة لا يعكر صفوها شيء حتى في عصور الاضمحلال والتخلف والفتن إلى أن جاء
عصر النهضة وتوجهت عيون المستعمرين نحو الشرق فكانت الدعوة إلى العامية التي
سجلتها الدكتورة (نفوسة زكريا سعيد) أستاذ الأدب العربي بجامعة الأسكندرية في
كتابها الماتع (تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر) وهو أطروحة لنيل شهادة
الدكتوراة في ستينات القرن الماضي تعرض فيه الباحثة للشخصيات الداعية إلى العامية والأسباب التي دفعتهم إلى تلك الدعوة والمناصرين
لها من أبناء مصر والمعارضين على حد سواء.
ليس لأحد أن ينكر فضل
الأدب على الناس سواءً التزم العامية لغة لعرض فكرته أو التزم الفصحى.. والعامية
ليست سبة يتبرأ منها الأديب وليس له أن يفعل.. وقد صاغ بها أحيانا في عصر النهضة
طائفة من خيرة العلماء والكتاب والأدباء في مصر كان منهم يعقوب صنوع صاحب مجلة
(أبو نظارة) وجورجي زنانيري صاحب مجلة (الغزالة) ومحمد النجار صاحب مجلة (الأرغول)
ورائد النهضة العلمية الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي والكاتبان القصصيان محمد تيمور
وأخوه محمود تيمور وقد كان الهدف من كتابتهم بها نبيلا وساميا هو الوصول إلى عوام
الناس وتثقيفهم وإطلاعهم على ما يدور في العالم من أحداث سياسية واقتصادية
والتسرية عنهم بلغة فيها من الفكاهة الكثير ومن الجدية القليل.... يكتبون
بالعامية؟! نعم ، لكنهم يحتفظون للفصحى
بمكانتها ويعترفون لها بكرامتها.
قبل ذلك بقرن من الزمان
تقريبا تنشأ القضية التي جعلت من هذه الدعوة محل نظر من الباحثين هي قضية احتفاء
الغربيين باللغة العامية أو باللهجات العامية العربية بتعبير أدق وربما كان الغرض
كما يدعون من الدراسة هو بناء جسور التواصل مع الشرق الذي ترتبط مصالحهم أن يعيشوا
فيه وقد أفردوا للعامية في جامعاتهم أقساما لتدريسها وكان يقوم بإلقاء
المحاضرات والدروس فيها إما طائفة من المستشرقين الذين اضطلعوا بالشرق ولهجاته أو جماعة
من الشرقيين العاملين في جامعات أوروبا ومدارسها.
في إيطاليا تدرس العامية
في مدرسة نابولي للدراسات الشرقية سنة 1727.
وفي النمسا أنشئت مدرسة
في فيينا سنة 1754 أطلق عليها مدرسة (القناصل) وكان من مدرسيها (حسن المصري) الذي
ألف في العامية كتابا بعنوان (أحسن النخب في معرفة لسان العرب).
وفي فرنسا أنشئت (مدرسة
باريس للغات الشرقية الحية) سنة 1759 وكان من مدرسيها المستشرق (سلفستر دي ساسي)
وكذلك (ميخائيل الصباغ السوري)الذي ألف كتابا في العامية المصرية والشامية
بعنوان(الرسالة التامة في معرفة لسان العامة والمناهج في أحوال الكلام الدارج).
وفي روسيا أنشئت مدرسة
(لازارف) الإكليريكية للغات الشرقية في موسكو سنة 1814 وكان من مدريها الشيخ (محمد
عياد الطنطاوي).
وغير ذلك من المدارس في
ألمانيا والمجر وانجلترا التي أنشأت في جامعة لندن فرعا لتدريس الفصحى
والعامية وقد قدم إليها أحمد فارس الشدياق
في فترة من حياته وألف لها كتابا بعنوان (أصول اللغة العربية المحكية).
وفي مصر يتولى جماعة من
الأجانب الذين استوطنوها الدعوة إلى لغة العامة في الحديث والآداب والعلوم.. من هؤلاء على سبيل
المثال لا الحصر (فلهلم سبيتا) الذي ألف كتابا في قواعد اللغة العامية العربية سنة
1880 ولم يكتف فيه بالدعوة إلى العامية بل تعدى إلى المطالبة بكتابة العامية
بالحروف اللاتينية بدلا من الأبجدية العربية وقد اتهم في كتابه اللغة الفصحى
بالجمود والتحجر وأنها كاللاتينية لا يمكن أن ينمو بها أدب ويتطور وأن اتخاذ
العامية لن يضير الشعوب الإسلامية في شئ لأن لغة الطقوس والشعائر الدينية ستظل كما
هي.
وجاء من بعد (سبيتا)
جماعة يكررون نفس الدعوة ويرددون نفس الأهداف التي يرمي إليها الداعون إلى العامية
منهم (كارل فولرس)و(سلدن ولمور) و(وليم ولكوكس).
هذا الاهتمام الجارف
بدراسة العامية كان مبعثه كما يدعي مناصرو الدعوة من الأجانب هو معرفة اللهجات
العربية في البلاد التي تقتضي مصالحهم أن يعيشوا فيها كما قلنا وتيسير لغة العلوم والآداب على عامة الناس ومواكبة تطورات الحياة بتوحيد لغة الحديث مع
لغة الكتابة.
في حين رأى جماعة من
الباحثين منهم الشيخ محمود شاكر أن هذه كانت خطوة على طريق تغيير هوية الأمة وفرض
الثقافة الغربية على أهل البلاد المحتلة بعد فرض الهيمنة العسكرية عليهم.
وقد ناصر جماعة من
المصريين هذه الدعوة إلى العامية إما رغبة منهم في تذليل صعوبات اللغة أو انخداعا
ببريق الثقافة الغربية ورغبة في الانسلاخ من ثقافة بلاد مهزومة أمام سلاح الغرب
وجيوشه ونحن هنا لا نتهم أحدا بشئ لكننا نعرض القضية كما اطلعنا عليها في صفحات
التاريخ وللقارئ الحق في الاقتناع أو عدمه.
أول من يطالعا اسمه في
طائفة المناصرين من المصريين هو المفكر والفيلسوف ورجل القومية المصرية (أحمد لطفي
السيد) وكذلك الأستاذ (سلامة موسى) والكاتب الكبير الأستاذ (توفيق الحكيم) وغيرهم
كثير
علا صوت الدعوة ونشأ
صراع كبير بين الداعين والمعترضين على صفحات مجلات(الأزهر) و(المقتطف) و(الهلال)
فاللغة ليست من السوء بحيث تجد نفسها في قفص الاتهام.
ويؤلف حافظ إبراهيم
قصيدته الرائعة (اللغة العربية تنعى حظها بين أهلها) ليؤكد فيها على ريادة اللغة
الفصحى وأنها صالحة لكل عصر وأن الملامة ليست على أهل الغرب في دعوتهم إنما على
أهل جلدتنا فلا ينبغي أن نستمع لمثل تلك الدعوات واقرأ هذه الأبيات لتتبين رأي
حافظ على لسان اللغة يقول:
وَسِعْتُ كِتابَ اللَهِ
لَفظاً وَغايَةً وَما ضِقْتُ عَن آيٍ بِهِ وَعِظاتِ
فَكَيفَ أَضيقُ اليَومَ
عَن وَصفِ آلَةٍ وَتَنسيقِ
أَسْماءٍ لِمُختَرَعاتِ
أَنا البَحرُ في
أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي
فَيا وَيحَكُم أَبلى
وَتَبلى مَحاسِني وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي
فَلا تَكِلوني لِلزَمانِ
فَإِنَّني أَخافُ عَلَيكُم أَن تَحِينَ
وَفاتي
أَرى لِرِجالِ الغَرْبِ
عِزّاً وَمَنعَةً وَكَم عَزَّ أَقوامٌ بِعِزِّ لُغاتِ
أَتَوا أَهلَهُم
بِالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً فَيا لَيتَكُم تَأتونَ بِالكَلِماتِ
أَيُطرِبُكُم مِن جانِبِ
الغَرْبِ ناعِبٌ يُنادي بِوَأْدِي في رَبيعِ حَياتي
وَلَو تَزجُرونَ الطَيرَ
يَوماً عَلِمتُمُ بِما تَحتَهُ مِن عَثْرَةٍ وَشَتاتِ
سَقى اللَهُ في بَطنِ
الجَزيرَةِ أَعظُماً يَعِزُّ
عَلَيها أَن تَلينَ قَناتي
حَفِظنَ وِدادي في
البِلى وَحَفِظتُهُ لَهُنَّ بِقَلبٍ دائِمِ الحَسَراتِ
وَفاخَرتُ أَهلَ
الغَرْبِ وَالشَرْقُ مُطرِقٌ حَياءً
بِتِلكَ الأَعظُمِ النَخِراتِ
أَرى كُلَّ يَومٍ
بِالجَرائِدِ مَزلَقاً مِنَ القَبرِ يُدنيني بِغَيرِ أَناةِ
وَأَسْمَعُ لِلكُتّابِ
في مِصْرَ ضَجَّةً فَأَعلَمُ أَنَّ الصائِحينَ نُعاتي
أَيَهجُرُني قَومي عَفا
اللَهُ عَنهُمُ إِلى لُغَةٍ لَم تَتَّصِلِ بِرُواةِ
سَرَت لوثَةُ الإِفرِنجِ
فيها كَما سَرى لُعَابُ الأَفاعي
في مَسيلِ فُراتِ
فَجاءَت كَثَوبٍ ضَمَّ
سَبعينَ رُقعَةً مُشَكَّلَةَ الأَلوانِ مُختَلِفاتِ
إِلى مَعشَرِ الكُتّابِ
وَالجَمعُ حافِلٌ بَسَطتُ رَجائي بَعدَ بَسطِ شَكاتي
فَإِمّا حَياةٌ تَبعَثُ
المَيْتَ في البِلَى وَتُنبِتُ في تِلكَ الرُموسِ رُفاتي
وَإِمّا مَماتٌ لا
قِيامَةَ بَعدَهُ مَماتٌ لَعَمري لَم يُقَس بِمَماتِ
فالعز كل العز في حفظ
اللسان من الضياع.. اللغة ليست مجرد كلمات تلوكها الألسنة إنما هي تاريخ من
الأمجاد والبطولات والشرف فإذا انقطعت أسباب الوصال بيننا وبينها فإن الأمجاد
زائلة والبطولات منسية والشرف بلا معنى.
وعلى ذات الطريق يمضي
العقاد في كتابه (اللغة الشاعرة) في تبيان أنها -أي الفصحى- لغة متفردة في ذاتها
ليست كاللاتينية أو السنسكريتية أو أي لغة من اللغات الميتة فهي لغة حية مرنة
صالحة لكل زمان ومكان غنية بالمفردات متميزة في نحوها وصرفها وموسيقاها لا تدانيها
لغة حية في جمالها واستيعابها لكل تطور بالتعريب والترجمة والنحت والاشتقاق
والتوليد ..ليست مجرد كلمات متراصة بل هي منطق بليغ ينقل في ثنايا الكلمات المشاعر
التي تسكن وجدان المتكلم وقد أثبت ذلك من خلال دراسات نفسية أجراها على أشعار ابن
الرومي وغيره بمعرفة أبجديات حياته ومشاعره من خلال شعره...وعلى ذات الدرب يسير
الشيخ محمود شاكر في كتابه (أباطيل وأسمار) بتفنيده دعاوى الأستاذ سلامة موسى
ولويس عوض وغيرهم.
المعارضون لا يعترضون لمجرد
الاعتراض الأجوف الذي يرمي إلى سمعة أو تشهيرٍ بالمخالفين وإنما كانوا يرون في الدعوة
على يد أذناب المستعمرين هدفاً آخر غير نبيل يتغيى تدمير اللسان الذين يوحد هذه
الأمة.. يرون في الدعوة حربا باردة تسعى إلى هزيمتنا ثقافيا بعد الهزيمة العسكرية.
يرون فيها قطعا للأواصر
بين الأدباء والمثقفين العرب فما الذي يجعل الأديب المصري يفهم الأديب التونسي سوى
الفصحى التي تجمعهم؟؟ ولو كتب أحدهم للآخر بلسانه العامي لاحتاج الآخر إلى قاموس
يترجم ألفاظ العامية التونسية أو ألفاظ العامية المصرية ..حينئذٍ يتفرق دماء الأدب
وتعظمُ مصيبة الأمة فيه.
فإذا نادى أحدهم بجعل
العامية لغة معتمدة فاسألوه أيَّ عامية يقصد عامية الشوام أم عامية المصريين وأهل
السودان أم عامية أهل الخليج أم عامية المغرب العربي
ومن هذا الساذج الذي
يستعيض عن لسان واحد يتفاهم به مائتا مليون إنسان ومدون في قواميس مُسَلَّمٍ
بصحتها يهجره لأجل أن يتكلم بأربعة ألسن أو أكثر لا يكاد يستوعب بعضها بعضاً أو
يفهم بعضها بعضاً إلا بعد كَدٍّ ومعايشة.
إن الطريق إلى ثقافتنا
لم يكن يوما مفروشا بالورود أو منزهاً عن الأشواك والأديب كالجندي يعرف قيمة اللغة
كما يعرف الجندي قيمة الوطن..وليس لأحد أن يحتكر الحق في التعبير سواء بالعامية أو
الفصحى وليس لأحد أيضا أن يحجر على أحد أو أن يتهم الآخر لأنه التزم صورة معينة في
التعبير عن فكرته والإعلان عن موهبته . كل ما في الأمر أن الموازنة هنا والمقارنة
لا قيمة لها إذا علمنا أن كل الأدباء على اختلاف طرائقهم يخدمون رسالة الفن والأدب
في تقديمهم الصورة البديعة للناس في ثيابٍ يعرفونها فالعوام يفهمون الفكرة في ثوب
العامية والمثقفون يفهمونها في ثوب الفصحى.. وما العامية سوى ترجمة للفصحى وما
الفصحى سوى أمٍّ ترجع إليها العامية لتتزين بأجمل الكلمات.
وفي ذات الوقت لا ينبغي
لمثلي تمييع المسألة فالفصحى هي الأصل الذي نعود إليه ونتواصل به جميعا على اختلاف
أقطارنا التي نعيش فيها فإذا شئتُ لمقالتي هذه أن تعيش إلى قيام الساعة فلن أختار
لها سوى الفصحى لسانا خالداً يصونها للقراء في كل زمان ومكان كما فعل من قبل
ملايين الشعراء والكتاب الذين ندين لهم بالفضل والعلم.
وفي المقابل قد يطمع
المبدع في التقرب إلى غمار الناس بأفكاره فيختار لها وعاءً آخر أقل كلفه وأيسر
مطلبا هو وعاء اللغة الدارجة التي يتفاهم بها أهل الإقليم الذي يعيش فيه.. وهو
عندي غير متهم في نيته فلا أقول بأنه يريد
هدم اللغة أو الاعتداء على هوية الأمة وإنما هو صاحب هدف أنقى وأنبل فما دفعه إلى اختياره
غير التودد إلى العامة ومحاولة إمتاعهم والتسرية عنهم وتثقيفهم إذا لزم الأمر.
مجرد وجهة نظر متواضعة
آمنت بها في حياتي وهي (إذا شاء المبدع لعمله أن يخلد فليعمد إلى وعاء
خالدٍ لا يتغير يلقي فيه أفكاره فإن الوعاء لا يؤتمن إذا كان قابلا للتغيير) والعامية
وعاءٌ قابل للتغيير كلما تطور الزمان وتتابعت الأجيال وربما وافانا في مصر جيل
كأجيال الجزائرْ ما بعد استعمار فرنسا
تطغى على لسانهم لغة المستعمر في حين تصبح العربية شعرةً في عجين أو قطرة وسط بحر
لا يكاد المستمع يدركها إلا بعد كَدٍّ وعناء.
افعلوا ما شئتم واكتبوا
بالعامية على أي وجهٍ كانَ لتيسروا الأدب لطالبيه بلا تكلف أو تشويه أو
ادعاء أن هذه الفصحى قد تخطاها الزمان.... افعلوا ما شئتم.. لكن احفظوا للعربية
الفصحى كرامتها. فإنها هوية الأمة ولسانها الذي يوحدها وضياعها ضياع للهوية
والوحدة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق