صباح العيد


قصة "صباح العيد"
قمر الخطيب


تعودت في كل صباح أن أستيقظ على أشعه الشمس تلامس وجهي بدفئها الحنون ، وعلى صوت امي تنادي : هيا أفق يابني حان وقت ذهابك الى العمل ، أبو احمد بانتظارك ، وقد قمت بأعداد الفطور....
ولكن اليوم لم تسطع اشعه الشمس التي تداعب وجهي ، وتدغدغ شعري
ولم اسمع نداء أمي اليومي ! أبو احمد لا ينتظرني ! اليوم هو مرتاح مني ! ولن يرى وجهي وهذا ماعاهدت نفسي عليه...
اليوم هو" يوم  عيد الاضحى " والشمس لم تمارس عملها ، فصوت المطر المنهمر الذي يلامس سقف غرفتي الخشب ، ويطرق شباك الغرفه بصوت عذب يكاد لا يغيب عن سمعي..
نهضت من تحت غطائي الذي يفيض دفئاً وينسيني شدة البرد ليلا ، وأسرعت لارتداء ملابسي الشتويه ، ولم انسى قبعتي الجديدة التي اشتريتها من يومين متأهباً بها للشتاء ، وقد كانت اخر قبعه تباع فاخذتها بثمن ارخص..
كانت غرفتي صغيرة ، تتسع لسريري وبضع ذكريات وهذا غير خزانتي الخشبيه التي لا اذكر وجودي بهذه الغرفه الا وهي بقربي..
هبطت على السلالم الى غرفة والدي في الاسفل، فتحت باب الغرفه وأنا باستعداد كامل لان اعطي وللمرة الاولى لوالدي "عيديه العيد" التي كانت بالنسبه لي وانا صغير نشوة العيد ، ولكن الان لم اكن انتظر منهم النقود، فاليوم قد اختلف الحال لدي، فبعد ثمانية عشر ربيعا من اعطائي النقود حان دوري لاستلم هذا العمل بدلا منهم، وبكل ود واحترام.
دخلت الى الغرفه فوجدت والديي وكحالهم من ثلاثة اعوام مضوا ، أمي تردد نفس الكلمات :الاتريد ياأبو عمر ان تذهب الى المقبرة كي تزور قبر. ولدنا عمر؟ فيقول لها والدي والدموع قد استبقت جوابه وبللت اجفانهم : حسنا هيا قومي واعدي الفطور كي أذهب انا ومحمد الى المقبرة..
عمر هو اخي الكبير الذي يكبرني بسبع سنوات استشهد قبل ثلاثة اعوام وهو يؤدي الخدمه الالزاميه حيث كان يؤديها في احدى المناطق الساخنة فتعرض لرصاصة غدر اردته شهيدا
عندما علمنا بخبر استشهاده انفجرت انهار الدمع من عيوننا ، لقد كان بالنسبه لي اخ وصديق وملجأ للاسرار وقدوة في هذه الحياة، حتى انه في اخر لقاء لي معه أسر لي بقصه قد اسعدتني عندما سمعتها، بانه قريبا سوف ينتهي من خدمته الالزاميه وسيطلب من امي ان تخطب له فتاة سبق ان رأها كثيرا في حينا وقد علم انها عبير ابنه جارنا ابو ايمن وعند عودته بخير سيظل على رايه حتى تخطبها له امي..
كل هذه الكلمات التي قالها لي حينها اقتحمت ذاكرتي فجأه عند اخبارنا بوفاته لتحيطنا فاجعه لن ترحل عنا ابدا
في هذا العام شعرت بأني قد امتلكت من الرجولة وروح الشباب لاكون مثله او اكون هو بكل مايحمل من الصفات السامية والمحببة لي..فتناولت نفس كلماته التي كان يرددها لوالديي في العيد.
 بقيت وحيدا منذ ان فارقني ولم يقطع عليي وحدتي الا همسات من ليل يروي لي حكايا الوحدة ..
اكملت فطوري مع والديي وذهبنا  الى المقبرة ووضعنا الأس على قبر اخي الغالي وعدنا الى المنزل الذي كان يفوح منه رائحه القهوة العربيه المرة ، كانت امي بانتظارنا ولكن دون كعك العيد الذي كانت تصنعه وتمده على الطاوله الخشبيه لتزرع رائحته في كل زاوية من زوايا المنزل وهذا طبعا قبل ثلاثه اعوام مضوا..ليبق هذا المشهد في ذاكرتنا 
يؤسفني ان اشرب القهوة في هذا الصباح على شرفة عارية ...لتقلقني بعض الهواجس الساخنه .. الزاحفة الي دون خجل...
ويبقى السؤال الوحيد...الى متى ؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق