قصة "غليظ
القلب"
بقلم/
إسراء عبد الرحمن
عندما
كانت تراني كنت أتوارى منها خوفاً من أن تأتي وتلقي التحية علي، كان هذا يُجبرني أن أرسم ابتسامةً فاترةً على وجهي الأحمق،
واُجيب ببرود يقتل أي مشاعر تحملها من أجلي، ولكني في كل مرة تلقي فيها التحية وأجيبها بفتورٍ
كنت أجدها تمرر الأمر وتضحك،
وأعتقد أنها كانت تعتبر ردودَ فعلي حباً أو إعجاباً، لا أفهم كيف؟
جاءتْ لي إحدى المرات بملامح حزينة ولكن فيها شيءٌ من الأمل وقالت لي بكل براءة:
- يا ابن عمي سيأتي إلى منزلنا شخصٌ ما
ليطلب يدي!
فنظرت
لها بدهشة من جملتها وما كنت أقدر أن أخفيها، فقالت لي بنبرة هادئة فيها حزن الدنيا وفضول الآخرة وهي تنظر أرضاً:
- هل ستسمحُ لهم
بالأمر؟
فقلت
بكل حقارة وأنا أحاول إخفاء لامبالاتي بابتسامة:
- لا تحملي هماً،
فأنا من سيتحرى عنه
وعن أخلاقه ولن اسمح أن تتزوجي شخصاً لا يليق بكِ.
نظرت
لي نظرة منتهية يغلفها الضعفُ ويُغرقها الدمع،
وغادرت.
لم
أئبهْ لها وحركت كتفيّ بلامبالاة وكأني كنت أقول في نفسي:
- ومالي أنا ومال ما يحدث بها؟ فلتتزوج من يختار عمي،
وما دخلي أنا بالموضوع؟
مرّ
الكثيرُ من الأيام وكلما كنت أراها كانت تطلب عيناها المساعدة والرأفة مني على حالها،
ولكني ما كنت أفهم الرأفة بأحد، كنت فظاً غليظ القلب،
لا أقوى إلا على جرحها في كل مرة أراها فيها، إلى أن جاء يوم زفافها، ولأنها ابنة عمي الوحيدة ولا تملك إلا والدها ولا أخاً لها طلب عمي مني أن أصعد إلى غرفتها بنفسي وأناديها، أي أني أمثلُ دور الأخ.
ذهبت
لها وأنا بي شيءٌ من التردد وطرقت الباب، سمحوا لي بالدخول فدخلت، ما أن نظرت إليها شعرت وكأني أراها للمرة الأولى.
جمالٌ لم أقابله
أبداً، وعينان حزينتان لم أرَ ما بهما
من حزن من قبل.
كانت
نظراتها تتشبثُ بي وكأنها غريق يتعلق بقشة،
وكانت تلك القشة هي كل ما يملكه.
ما أن
رأتني نهضت واتجهت نحو باب الغرفة وهي تمسك فستانها، خرجنا من الغرفة وصرنا إلى الأسفل، قالت بصوت فاقد الأمل وهي تتنفس بثقل:
- جئت بنفسك لتوصلني إلى زوجي؟ يالروعتك!
لم أنطق فقالتْ بصوت يستغيث:
- الوقت
مازل أمامنا يا ابن العم، لا تُسلمني لهُ،
تمسك بي كما أتمسك وأتشبث
بك إلى الآن.
تحرك
قلبي من أجل كلماتها،
ولم أُدركْ حبها إلا بعد أن سلمتها لزوجها.
منذ
تلك اللحظة وأنا قلبي لا ينبض إلا ندماً وحسرةً على ما فرطت،
فهل لي باعتراف إذن؟ هل
لي أن أقول أنني خذلتها وكسرت بخاطرها؟
نعم أنا الجبان بعينه، أنا من خذلتها من أجل لا شيء يُذكر، ما كان يجب أن أفعل هذا؟ ما كان يجب!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق